حماسها لا يعرف الكلل والتوقف عن المطالبة بحقوقها، فمنذ أن شاركت المرأة الإيرانية فى الثورة عام 1979 وأطاحت بالشاه محمد رضا بهلوى آخر ملوك إيران؛ سعت للاحتفاظ بالحقوق التى نجحت فى انتزاعها بالجهد والصبر على مدار سنوات الملكية، إلا أن المفارقة أعادتها بعد الثورة إلى مربع الصفر فى البحث عن الحقوق الأساسية، بل وفرض التوجه المحافظ لرجال الدين الذين تولوا مقاليد الحكم بعد رحيل الأسرة البهلوية، مزيدا من القيود غير المتوقعها بالنسبة لها.
وعلى مدار الـ38 عاما الماضية، لم تستسلم النساء ليد الولى الفقيه الثقيلة التى فرضت عليها قوانين ورسم سلوكها وتشكل لها حياتها، وإيمان منهن بوجوب إصلاح نظرة النظام لهن عبر صناديق الاقتراع، اعتادت المرأة الإيرانية الخروج للاحتشاد خلف صندوق الاقتراع كل 4 سنوات لاختيار رئيس ما بين المحافظين والإصلاحيين على أمل انتزاع حقوقهن الاجتماعية وحتى السياسية استنادا منها إلى أن الإمام الخمينى مؤسس الجمهورية لم يمنعهن من المشاركة فى الحياة السياسية بل أكد أيضا على دورها الإجتماعى والثورى، لكن تلك النظرة لم تتحقق على أرض الواقع فى السنوات الأولى للثورة فلم تتولى أية من النساء مناصب سياسية عليا.
المرأة الإيرانية شاركت فى ثورة 1979 إلى جانب الرجل
> قصة نضال المرأة الإيرانية لتحقيق حلم تولى المناصب السياسية الرفيعة التى أصبحت حكرًا على الرجال...
رفسنجانى تبنى خطاب داعم للمرأة وطموحها اصطدم بواقع الحرب
مع وصول هاشمى رفسنجانى الذى تولى الرئاسة بين عامى (1989-1997م) وتبنيه الخطاب الرسمى الداعم للمرأة، منحها أمل فى تحقيق حلم التمثيل السياسى الرفيع، إلا أن انشغال المجتمع بالحرب العراقية الايرانية (1980- 1988م)، أجبرتها الظروف على ملء فراغ الرجال فى المناصب الإدارية، فنظرًا لحالة الحرب والثورة التى كانت لا تزال وليدة فى المجتمع؛ لم يكن حلم بلوغ المناصب السياسية فى مصاف الأولويات، والمشهد لم يكن ملائمًا لتطلعاتها، ولم تساعدها الظروف على اقتحام الحياة السياسية، إلا البرلمان الذى بدأ بـ5 سيدات فى دورته الأولى والثانية والثالثة، 1980، 1984، 1988م، وكانت أول نائبة من النساء "عاتقة صديقى" زوجة محمد على رجائى الرئيس الثانى للجمهورية الاسلامية، وكان وقتها يشغل منصب رئيس وزراء فى حكومة أبو الحسن بنى الصدر.
زعيم الاعتدال هاشمى رفسنجانى إلى جانب نجلته فائزة رفسنجانى
خاتمى منح المرأة الضوء الأخضر والنظام خيب آمالها ولم يخاطر أمام رجال الدين
بدأ وعى المرأة يزداد مع صعود الزعيم الاصلاحى "محمد خاتمى" (1997 – 2005) إلى الحكم، وارتفع عدد الجمعيات النسائية، مستندة إلى الخطاب الاصلاحى الذى تبناه خاتمى تجاه المرأة والذى دعا لمنحها حرياتها، وحلقت طموحها عاليا بعد أن عين الرئيس آنذاك "معصومة ابتكار" نائبة لمنصب الرئيس لأول مرة، لكنه لم يمنحها منصب وزارى، تخووفا من معارضة رجال الدين، وهو ما نقلته عن النائبة السابقة مريم بهروزى فى إحدى المقابلات الصحفية لها عام 2009، نشرتها دويتش فيله، قائلة "عندما قلت لخاتمى ينبغى عليك تعيين امرأة فى حكومتك، قال سأفكر فى الأمر، وعندما اعلنت الحكومة ولم أجد بها نساء، عدت لأسئلة مجددا عن سبب عدم اختيار المرأة، فقال "لم ارغب فى المخاطرة".. ورجال الدين يرفضون الأمر".
لكن تعيين المرأة فى منصب نائب الرئيس زاد من شغفها ليس فقط بانتزاع حقائب وزارية بل طمعت فى أعلى المناصب السياسية فى إيران، بعد أن منحها خاتمى الضوء الأخضر فى عام 2001 وقال أنه لا يعترض على فكرة تعيين النساء فى الحكومة، وصرح "لا توجد عوائق أمام تسلم المرأة لمنصب وزير بل حتى لمنصب رئيس الجمهورية".
ورغم أن خاتمى لم يكسر حاجز تصدى المرأة فى المناصب السياسية الرفيعة كالوزيرة، لكن سياسته الاصلاحية وفترة الانفتاح الاجتماعى، فتحت شهيتها آنذاك، وجعلتها أكثر جرأة للإقبال على أعلى مناصب الرجال السياسية، وكانت المحامية والصحافية "أعظم طالقانى" ابنة رجل الدين آية الله سيد محمود على طالقانى، شغوفة بتطبيق شعارات خاتمى، فتقدمت للترشح فى الانتخابات الرئاسية عام 1997، لكن رغبتها فى تحطيم التابوهات من أجل مستقبل فتيات جيلها اصطدمت بحائط "مجلس صیانة الدستور" الموكل إليه بمهام التصديق على المرشحين، وهنا أصبح قرار مناطحة المرأة للرجل على منصب "الرئيس" فى يد المرشد الأعلى ورجال الدين المتشددين المهيمنين على المجلس، فقد تم رفض ترشحها هى و9 أخريات رشحن أنفسهن وقتها، وذلك استنادا إلى المادة 115 فى الدستور الإیرانى التى تنص على ضرورة أن یكون المرشح للرئاسة من "رجال الدین والسیاسة".
الزعيم الاصلاحى محمد خاتمى
نجاد قيدها بالقوانين واستغلها لتصحيح صورته
إلى أن جاء الرئيس المتشدد محمود احمدى نجاد ذو النزعة الراديكالية فى 2005، ليسعى لفرض قيود شديدة على المرأة، وتطيبق القوانين عليها بصرامة، وفرض مضايقات عليهن فى الشوارع من بينها الالتزمت بارتداء الحجاب المحتشم، ومعاقبة غير المحتشمات، فناضلت المرأة من أجل رفع عبء القوانين المفروضة عليها، وتتناسى حلم بلوغ سدة الحكم والوزارة فى وقت حاربت فيه قيود المرشد الاجتماعية، ومن المفارقات أن شهدت ولاية نجاد الثانية تعيين "مرضية وحيد دستجردى" بمنصب وزارة الصحة بين عامى 2009 - 2013 كأول امرأة فى تاريخ الجمهورية تبلغ هذا التمثيل السياسى.
غير أن هذا القرار، تم النظر إليه بعين الشك، وتساءل المراقبون عن سبب جنوح رئيس متشدد بشكل مفاجئ نحو تعيين امرأة فى حكومته؟ واتضحت أهدافه وقتها عندما كشف المحللون عن غايته فى تصحيح صورته أمام المجتمع الإيرانى بعد أن فقد شعبيته فى المدن الكبرى اثر الاحتجاجات التى نهضت ضد ولايته الثانية فى 2009 متهمة النظام بالتلاعب فى نتائج الانتخابات لصالحه.
فقد اعتبرت آنذاك مريم بهروزى إحدى المدافعات عن حقوق المرأة والنائب السابقة، أن "نجاد حاول أن يستمع إلى أصوات الناشطات التى تعالت بوجوب اختيار النساء فى الوزارات، بعد أن أمضين تاريخ طويل من النضال من أجل تحقيق هدفهن، وتجنب تجاهلها فى الفترة التى تلت احتجاجات 2009م، لذا حاول تلطيف الاجواء السياسية، لكن على أى حال حطمت المرأة تابو حظر تولى الحقائب الوزارية، وتصاعدت آمالها فى أن تستحوذ فى الحكومات المتعاقبة فى المستقبل على أكثر من وزارة".
الرئيس الايرانى السابق محمود احمدى نجاد
روحانى استغلها كأداة لتحقيق أهداف حزبية.. العنصر الذكورى يسيطر على حكومة "الاعتدال"
وبعد أن تنفست المرأة الإيرانية الصعداء وحققت حلمها فى تولى الوزارة، حلق بها الرئيس المعتدل حسن روحانى فى سماء الحرية، وأمطرها بالوعود، وكان صعوده فى 2013، للنساء والشباب بمثابة أمل لهم، حيث وعد مؤيديه بمزيد من الحريات والمساواة داخل المجتمع وتضمنت وعوده بإنشاء وزارة للمرأة، ووعد بدمج النساء فى حكومته المقبلة، ولم يستغرق وقتا طويلا ليخيب آمال مؤيديه وخصوصا النساء.
وكان واضحًا من خلال تشكيل حكومته فى ولايته الأولى أنه غير قادر على تنفيذ كل وعوده الانتحابية واقتصر اعضاء الحكومة على الرجال فقط، وجائت الحكومة فى ولايته الثانية لتقضى على ما تبقى من احلامهن فى تولى الوزارة، وهو ما جعل البعض يعتبر أن وعوده لها كانت بمثابة استغلالها كأداة لتحقيق مصالح حزبية، واللعب على وتر توسيع الحرية وتعيين النساء لتحقيق انتصار على منافسه المتشدد ابراهيم رئيس فى الانتخابات الأخيرة.
لكنه حاول التخفيف من صدمتها فعين 3 نساء كمساعدات له وعُينت معصومة ابتكار كنائبة للرئيس لشؤون المرأة والأسرة، ولعيا جُنيدى نائبة للرئيس للشؤون القانونية، وشهيندخت مولاوردى كمساعدة للرئيس فى الحقوق المدنية، لكن شكل ذلك تراجع للمشاركة النسائية بعد أن ضمت حكومتة الأولى4 نساء، 3 منهن فى مناصب نائب الرئيس بالإضافة إلى مساعدة خاصة.
روحانى مع شباب فى رحلة تزلج غازل بها المرأة قبيل الانتخابات
وبخلاف مساعداته تم تعيين مجموعة من النساء فى منصب نائب وزير، وتضم هذه المجموعة مرضية شاهدایی نائبة وزير النفط ورئيسة شركة الوطنية للبتروكيماويات الإيرانية، و رويا طباطبائى يزدى وهى رئيسة المنظمة الوطنية الإيرانية الإنتاجية، بالإضافة إلى نیره پیروزبخت رئيسة للهيئة الوطنية للمواصفات والمقاييس، كما تم تعيين مرضية أفخم التى خدمت سابقًا فى منصب المتحدثة باسم الوزارة الخارجية سفيرة إيران إلى ماليزيا، وسبقتها "منصورة شريفى صدر" أول قنصل إيرانى فى اليابان.
أنصار روحانى فى الانتخابات الرئاسية
لكن نظر المراقبون داخل إيران لغياب الوزيرات فى إدارة روحانى بأنه قرار يعود إلى المؤسسات ومراكز صنع القرار على التشكيلة الوزارية، فضلا عن أن روحانى الذى انتقد رفض تعيين النساء خلال تصريحاته فى المناظرة الانتخابية الثانية للانتخابات الرئاسية 5 مايو الماضى، وقال "هناك من يشن الهجوم عليه من داخل إيران بسبب تعيين أهل السنة والنساء فى المناصب السياسية"، أراد أن يتفادى المشكلات مع رجال الدين الذين يعارضون ذلك بشدة، ومن ثم لن تنال أى مرأة سيختارها ثقة البرلمان.
لعیا جنیدی، معصومه ابتکار، شهیندخت مولاوردی
التجربة الإيرانية أثبتت وعى المرأة أمام استغلالها السياسى
وبين ما هو اصلاحى ومحافظ، أثبتت التجربة الإيرانية على مدار السنوات الـ38 الماضية أن كلا التيارين الاصلاحى والمحافظ استغل المرأة كأداة لتحقيق أهداف حزبية وتصحيح صورته، فكان دعم التيار المحافظ لأول مرة فى ابريل الماضى لمرضية وحيد دستجردى الوزيرة السابقة والمتحدثة باسم جبهة "جمنا" المحافظة، جعل شائعات تتردد وقتها برغبته فى ترشيحها للانتخابات أمام روحانى، رغم أن التيار المحافظ فى إيران قليلا ما يهتم بمناقشة أوضاع المرأة وحقوقها ومشاكلها.
وبالنسبة للإصلاحيين، يبدو أن مفاهيم المساواة بين الجنسين فى فى الفكر الإصلاحى متشابهة، إلا أنها عندما تنزل من كونها شعارت إلى ميدان العمل تصطدم بواقعين على الأرض، أولهما: هو واقع المتغيرات السياسية الداخلية لإيران، وهو واقع يفرض على الرئيس اختيارات معينة وتنصيب أناس ذو مهارات خاصة، أما الواقع الأخر هو قبضة المرشد وقيود المتشددين ورفض مراكز صنع القرار لتمكين المرأة، فلا الخطاب الداعم لها فى عهد رفسنحانى، ولا الانفتاح الاجتماعى فى عهد خاتمى ولا وعود روحانى، نجحت فى ازالة المعوقات التى تواجهها المرأة الإيرانية أمام طريق بلوغها المناصب السياسية الرفيعة، ولا تزال هناك عقبات خطيرة على طريق إشراك رأى امرأة فى عمليات صنع القرارات فى إيران.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة