يحرص الأقباط على تعميد أطفالهم فى أديرة شهيرة لينالوا بركة القديس صاحب الدير، ومن ضمن تلك الأديرة دير السيدة العذراء مريم بجبل درنكة بأسيوط، وطقس التعميد أى تغطيس الطفل فى الماء تيمنًا بتعميد المسيح فى نهر الأردن، وهو أحد الأسرار المقدسة فى الكنيسة الأرثوذكسية ويسمى أحيانًا بالتنصير، فبعد التعميد يدخل الطفل رسميًا فى المسيحية.
فى دير العذراء بدرنكة، إذا كنت تمشى فى طريق كنيسة المغارة سترى أمهات يحملن بناتهن الصغيرات وهن يرتدين فساتين بيضاء كالعرائس، أما الذكور ستراهم فى نفس الساحة يلبسون "تونيا الشمامسة" البيضاء، وفوقها حلة الأسقف الكهنوتية، وعلى الرأس تاج البابا البطريرك.. هؤلاء حديثو العهد بالمسيحية، إذ جرى تعميدهم فوق مذبح دير العذراء المقدس، واحتفلت بهم الكنيسة فى زفة الشمامسة بصلاة القداس.
فى كنيسة المعمودية، يقف القس الكاهن يرتدى "مريلة" جلدية سوداء فوق جلبابه الكهنوتى الأسود كى يتجنب أثر الماء، وتأتى النساء تباعًا تسلمه الأطفال الرضع لكى يدخلون المسيحية، عبر طقس التعميد الذى يمارس تخليدًا لذكرى تعميد المسيح فى نهر الأردن حين كان طفلاً.
تبدأ طقوس التعميد بصلاة تسمى "صلاة تحليل المرأة"، بعدها تخلع الأم ملابس الطفل ثم تحمله على يدها اليسرى وتنظر إلى الغرب وترفع يدها اليمنى وتردد وراء الأب الكاهن عبارات جحد الشيطان: "أجحدك أيها الشيطان وكل أعمالك النجسة، وكل جنودك الأشرار، وكل شياطينك الرديئة، وكل قوتك، وكل عبادتك المرزولة، وكل حيلك الرديئة والمضلة، وكل جيشك وكل سلطانك وكل بقية نفاقك، أجحدك.. أجحدك.. أجحدك، ثم ينفخ الكاهن فى وجه الطفل 3 مرات وهو يقول: اخرجى أيتها الروح النجسة".
تنظر الأم ناحية الشرق وطفلها على يدها اليسرى، واليمنى مرفوعة إلى أعلى وتردد خلف الكاهن: أعترف لك أيها المسيح إلهى، وبكل نواميسك المخلصة وكل خدمتك وكل أعمالك المعطية الحياة.
ثم يسألها الكاهن ثلاث مرات قائلاً : هل آمنت على هذا الطفل؟
فتجاوبه ثلاث مرات: آمنت.
يمسك القس المكلف بالتعميد الطفل، تخلع أمه ملابسه وتعيده لصورة ولادته، يدهن الكاهن جسده بزيت الميرون المقدس، وهو نفس الزيت الذى دهن به جسد المسيح، ثم يقرأ عليه بعض الصلوات، يمسك الكاهن الطفل بيديه من تحت إبطيه ووجه الطفل إلى الغرب.
ينزله الى الماء بهدوء رويدًا رويدا حتى لا يصاب الطفل بالخوف والفزع، إلى أن يغطسه فى الماء تمامًا وهو يقول، أعمدك يا كاراس باسم الآب: وهذه الغطسة الأولى ثم يصعده من الماء وينفخ فى وجهه.
ثم يغطسه ثانية وهو يقول بسم الابن: وهذه هى الغطسة الثانية ثم يصعده من الماء وينفخ فى وجهه.
ثم يغطسه ثالثة حتى يغمره كله فى الماء وهو يقول بسم الروح القدس: وهذه هى الغطسة الثالثة ثم يصعده من الماء وينفخ فى وجهه مرة ثالثة.
يسلم الكاهن الطفل إلى أمه من الناحية اليمنى وتكون واقفة على يمين الكاهن ممسكة بفوطة كبيرة نظيفة لتستقبل فيها الطفل وتنشف جسده من الماء استعدادًا لدهنه بالميرون مرة أخرى، وبعدها سيرتدى كاراس ملابس البطريرك حيث التونية البيضاء والعمامة فوق رأسه، ومثله يفعل حنا الذى تطلق أمه الزغاريد عند تعميده وتقف لتتلقى تهانى دخول ابنها المسيحية، بعدها سيكون على الكاهن تسليم الأمين شهادات تعميد مثبت فيها تاريخ معمودية الطفل ومكان التعميد واسمه وهى الشهادة التى يثبت بها انتمائه للطائفة الأرثوذكسية وتظل معه طوال حياته.