اعتكف الزعيم سعد زغلول فى بيته، ولم يخرج من غرفته، ولم يقابل أحدا من ضيوفه حتى المساء يوم 23 أغسطس «مثل هذا اليوم» من عام 1925، حزنا على تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة «سيرلى ستاك»، سردار الجيش المصرى وحاكم السودان، حسب تأكيد دكتور محمود متولى فى كتابه «مصر وقضايا الاغتيالات السياسية» عن «دار الحرية - القاهرة».
كان «ستاك» يؤيد بقاء مصر محمية بريطانية، وفقا لتأكيد «متولى»، مضيفا: «وقعت عملية اغتياله يوم 19 نوفمبر 1924 فى نحو الساعة الثانية بعد الظهر، بينما كان عائدا من مكتبه بوزارة الحربية إلى داره بحى الزمالك، وأطلق عليه خمسة أشخاص الرصاص كانوا متربصين له، وتم القبض على كل من شارك فى العملية بعد خطة محكمة وضعها عميل سرى للبوليس يدعى محمد أفندى نجيب الهلباوى، تقاضى عليها مكافأة قيمتها 10 آلاف جنيه، وكان ضمن صفوف المناضلين، واشترك فى إلقاء قنبلة على السلطان حسين كامل عام 1915، وقبض عليه وقضت المحكمة بإعدامه، وتم تخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، ثم الإفراج عنه ليصبح عميلا سريا للبوليس «جمال بدوى - المصور شاهد عيان على الحياة المصرية - دار الهلال - القاهرة».
خضع المتهمون للمحاكمة أمام محكمة الجنايات، واستمرت الجلسات ستة أيام فقط، وقررت إحالة أوراقهم إلى المفتى، وفى يوم 7 يونيو 1925 صدر الحكم بإعدامهم، ونفذ فى سبعة فقط يوم 23 أغسطس، لأن المتهم الأول عبدالفتاح عنايت تغير حكمه إلى الأشغال الشاقة المؤبدة بأمر ملكى، وفقا لعبد الرحمن الرافعى فى كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919 - الجزء الأول - دار المعارف - القاهرة».
ويقدم «متولى» وقائع يوم تنفيذ حكم الإعدام، قائلا: «ظل المتهمون ينتظرون الموت 87 يوما، وكان موعد الشنق فى السابعة صباحا، ولم يحضر إلا عدد قليل جدا من الصحفيين، وأول من سيق إلى حبل المشنقة عبدالحميد عنايت الذى قال: لا يهمنى أى شىء، قمت بما هو واجب على خير قيام، لا يهمنى الإعدام، أنا قتلت 35 إنجليزيا، وأوصى بما تركه لإخوته، ثم قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، رب ادخلنى جنة النعيم».
يضيف «متولى»: «بعد أربعين دقيقة جاءوا بشفيق منصور، المحامى وعضو مجلس النواب عن دائرة باب الشعرية وقت الحادثة، فبكى وانتحب وظهر منهار القوى تماما، شاحب اللون وفى حالة ضعف متناه، ولما سئل عما يطلب، لم يجب، ولكنه بمجرد أن أدخلوه غرفة الإعدام صرخ: يا باشا عايز أشوف أهلى، يا باشا اعمل معروف عايز أشوف أختى، أنا فى عرضك، وظل يبكى، وكان هو الوحيد بين السبعة الذى بكى وظهر بهذا المنظر المتخاذل، وكان الثالث هو إبراهيم موسى وظهر قويا وطلب أن يرى أهله وأولاده، وصرح بأن عليه خمسة جنيهات لأحد أصدقائه، وهو محمد بيومى، وثلاثة جنيهات لشركة المخابز، وقال إنه يدين مصلحته ببعض المبالغ، ويطالب بإعطائها لأمه، ثم قال: أنا قلبى مطمئن بالإسلام، وطلب تسليم جثته لأهله وأن يدفن بقرافة المحمدى، وأوصى أن يكون الوصى على أولاده ابن خالته الشيخ رجب.
أما على إبراهيم محمد فظل ثابتا، وذكر ديونه وأوصى أولاده أن يتمسكوا بالدين، ويتبرأوا ممن يخالف دين النبى، ثم نطق بالشهادتين وظل يحرك شفته بالتلاوة دون أن يسمع صوته، أما راغب حسن فانهار دون أن يبكى وأخذ يصيح: أهلى، أهلى أشوفهم أنا ما شفتش ابنى، ده حرام أنا مظلوم، فقيدوا قدميه ولكن ذلك لم يمنعه من الصراخ والقول: أنا ذنبى فى رقبة كل من ظلمنى، أما محمود راشد فأقبل على حبل المشنقة فى غاية الهدوء والابتسامة لا تفارقه، وعندما تُلى عليه الحكم، قال مبتسما: الله يعلم أنى برىء وأنا لم أتفق على قتل أحد، وأنى ما قصدت إلا ابتغاء وجه الله الكريم، وعندما سئل: ماذا يريد؟ قال: ورقة زواجى مغلوطة، والمأذون أخطأ التاريخ، وطلبت منه تصحيحها فأرجو أن يصححها من سنة 1922 إلى 1923»، وطلب أن يدفن مع والده ونطق بالشهادتين، وقال: الحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون، أسألكم السماح، أسألكم السماح، إنا لله وإنا إليه راجعون، أما محمود إسماعيل فإنه كان ثابتا، وقال: «مش عاوز حاجة، راضى شاكر، وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأشهد أنى مصرى ووطنى وبرىء».
نقلت الجثث إلى سجن مصر لتشريحها ثم تسليمها إلى أهلها لدفنها، واشترط عليهم أن يتم الدفن دون احتفال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة