بعد ثمانين يوماً من إعلان الرباعى العربى "مصر والسعودية والإمارات والبحرين" قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، وما تبع ذلك من إعلان دول أخرى مقاطعة الدوحة، ظهرت معاناة الاقتصاد القطرى بشكل قوى، حتى وإن حاول القائمين على الحكم هناك احتواء التداعيات الاقتصادية.
نظام تميم يحاول منذ بداية الأزمة استخدام وسائل الإعلام المملوكة للدولة لتوجيه رسائل للقطريين مفادها، أن الاقتصاد القطرى قادر على استيعاب تداعيات الأزمة، واستحداث البدائل التى من شأنها احتواء الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها، لكن يوماً وراء الآخر يتأكد القطريين أن هذه الرسائل كاذبة، وأن الوضع على الأرض بالغ السوء، فالأرقام تؤكد أن الآثار السلبية التى خلفتها مقاطعة ثلاث دول من الخليج بالإضافة إلى مصر، بدأت تنعكس بشدة على الأوضاع الاقتصادية الداخلية بالبلاد، وأداء الاقتصاد القطرى على المستوى الدولى.
وفقاً لما توفر من معلومات موثقة، فإن الدوحة اتخذت عددا من الإجراءات الفورية لتوفير البدائل الاستهلاكية، وذلك من خلال تدشين طرق ملاحية جديدة مع دول، مثل سلطنة عمان وباكستان، لتوفير بدائل لعدد من المنتجات التى تشهد الأسواق القطرية نقصاً حاداً فيها، حتى إن كانت تكلفة المنتجات الجديدة أعلى بكثير من مثيلاتها السابقة، لكن الواقع يؤكد أن هذه الإجراءات لم تكن كافية لاحتواء الأزمة، فالمؤشرات الأولية تعكس وجود موجة غلاء لم تشهدها قطر من قبل.
وبجانب موجة الغلاء، فقد رصدت تقارير اقتصادية تراجع فى أداء العديد من القطاعات الهامة فى الدولة، وعلى رأسها قطاع السياحة الذى كان أكثر القطاعات تأثراً بإجراءات الدول الأربعة، حيث يعتمد قطاع السياحة فى قطر بشكل رئيسى على دول الجوار الخليجية، ما أسفر عن تراجع معدلات إشغال المنشأت الفندقية ولجوء العديد من الشركات والفنادق العاملة بقطاع السياحة إلى تخفيض نسب العمالة، ومنح الموظفين إجازات غير مدفوعة الأجر، كما يعانى قطاع الطيران أيضاً من العديد من الخسائر خلال المرحلة الحالية، خاصة أن الدول التى أعلنت قطع العلاقات مع قطر كانت تعد وجهات أساسية لعدد كبير جداً من رحلات الطيران المباشرة أو الترانزيت لخطوط الطيران القطرية.
وانتقلت تداعيات الأزمة أيضاً إلى قطاع البناء والتشييد، حيث يعتمد السوق القطرى بشكل كبير على استيراد مدخلات الإنتاج من مواد أولية ومستلزمات الإنشاءات من السعودية أو من باقى دول العالم عن طريق ميناء جبل على بالإمارات، وقد أدت الإجراءات المتخذة من الحكومة القطرية بشأن إيجاد البدائل والتعامل مع أسواق جديدة إلى ارتفاع التكلفة الاستيرادية للمواد الأولية، مما أسفر عن تباطؤ فى تنفيذ المشروعات الكبرى بالبلاد وعلى رأسها المشروعات الإنشائية الخاصة باستضافة قطر لفعاليات كأس العالم 2022، كما اضطرت العديد من الشركات العاملة فى هذا القطاع إلى تخفيض العمالة غير الأساسية ومنح أجازات غير مدفوعة الأجر لحين استقرار الأوضاع.
ورصدت تقارير أخرى قيام حكومة تميم بالتدخل للسيطرة على أداء القطاع المالى والبورصة، وتكريس الجهود من أجل إعطاء صورة أكثر إيجابية لأداء الاقتصاد القطرى داخلياً وخارجياً، وذلك من خلال تشديد الرقابة على شركات الصرافة لضمان عدم تداول الدولار بسعر أعلى، وإصدار التعليمات الخاصة بعدم وضع أى قيود على تحويل النقد الأجنبى للخارج، فضلاً عن قيام البنك المركزى القطرى بضخ سيولة كبيرة من النقد الأجنبى لدى الجهاز المصرفى والأسواق المالية، إلا أن التداعيات السلبية التى لحقت بالقطاع المالى والبورصة تظل أكبر بكثير من الأثر الاحتوائى لتلك الإجراءات الاحترازية، حيث تشير التقديرات الأولية إلى تراجع صافى الاحتياطات الأجنبية بنحو 10,4 مليار دولار منذ اندلاع الأزمة، لتصل إلى 24,4 مليار دولار فى يونيو الماضى، وهو أدنى مستوى خلال الخمس أعوام الماضية، وتشير التقديرات القطرية نفسها إلى انخفاض ودائع غير المقيمين فى الجهاز المصرفي، فضلاً عن تخارج قرابة الستة مليارات دولار من البورصة القطرية خلال يونيو الماضى نتيجة ارتفاع عمليات بيع الأسهم القطرية عقب اندلاع الأزمة.
الوضع الداخلى كان له تأثير على نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد القطرى، فقد خفضت بعض الوكالات الدولية التصنيف الائتمانى لقطر عقب اندلاع الأزمة، وهو ما يعكس تراجع الثقة فى أداء الاقتصاد القطرى خلال المرحلة الحالية، حيث قامت وكالة موديز بتخفيض التصنيف الائتمانى لقطر من AA2 إلى AA3، وأرجعت ذلك بشكل أساسى إلى ضعف المركز الخارجى للبلاد وارتفاع معدلات الدين العام، كما قامت مؤسسة ستاندرد آند بورز بتخفيض التصنيف الائتمانى لديون قطر السيادية طويلة الأجل من AA إلى AA- مع إدراج قطر على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، وهو ما ينذر باحتمالية وجود تخفيض آخر خلال الفترة المقبلة.
من واقع ما يحدث فى قطر حالياً، فإن كل التقديرات ترجح أن تستمر التداعيات الاقتصادية على قطر حال استمرار الأزمة، حيث تشير توقعات Bank of America إلى أن هناك احتمالية تخارج 35 مليار دولار من النظام المصرفى القطرى خلال عام، حال سحب بعض الدول العربية الأخرى الودائع والقروض من السوق القطرى، وفى هذه الحالة، فإن قيام الحكومة القطرية بضخ مزيد من السيولة فى القطاع المالى والمصرفى أو توفير الموارد المالية لاستيراد المنتجات ذات التكلفة الأعلى سوف يسفر بشكل كبير عن مزيد من الاستنزاف لأصول صندوق الثروة السيادية القطرية واحتياطات النقد الأجنبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة