سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..24 أغسطس 1871..نفى جمال الدين الأفغانى من مصر إلى الهند بقميص واحد على بدنه

الخميس، 24 أغسطس 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..24 أغسطس 1871..نفى جمال الدين الأفغانى من مصر إلى الهند بقميص واحد على بدنه جمال الدين الأفغانى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اصطحب جمال الدين الأفغانى خادمه الأمين «أبوتراب» عائدا إلى البيت، وفجأة وجد نفسه مقبوضا عليه، ويتم حجزه فى «الضبطية»، وفقا لـ«عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «عصر إسماعيل - الجزء الثانى» عن «دار المعارف - القاهرة»، مضيفا: «لم يتمكن حتى من أخذ ثيابه، وحمل فى الصباح يوم 24 أغسطس «مثل هذا اليوم» عام 1879 فى عربة مقفلة إلى محطة السكة الحديدية، ومنها نقل تحت المراقبة الشديدة إلى السويس، ومنها إلى باخرة أقلته إلى الهند، وسارت به إلى بومباى».
 
ويذكر تلميذه الإمام محمد عبده فى مذكراته عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «قطع المسافة بقميص واحد على بدنه، والوقت صيف والحرارة شديدة حتى تقرح جسده، ولم يكن معه من النقود أكثر من ثلاثة جنيهات عثمانية وبعض قروش من الفضة، وهذا المبلغ أخد منه فى السويس ولم يكن معه شىء، ولما علم ذلك أحمد بك النقاوى، قنصل إيران فى السويس، ذهب لتوديعه وعرض عليه مبلغا وافرا من المال، فأبى أن يأخد منه شيئا، وفى اليوم الثانى من سفره، ذهب بعض تلامذته إلى بيته، فوجدوا بعض أعوان الضبطية يعبثون فى كتبه، فدهشوا ورجعوا، وكان عنده كتب كثيرة فى فنون شتى، فاختار منها أعوان الإصلاح وحفظة الأمن ما اختاروا لأنفسهم، وحشوا بالباقى بطون الصناديق، وأرسلوه إلى بندر «أبوشهر» من بلاد إيران، ظنا منهم أن صاحب الكتب ذهب إلى الثغر، وبقيت الكتب فى مخزن الجمرك هناك إلى أن أكلها العث هنيئا مريئا».
 
جاء ذلك قبل أيام مما قاله الخديو توفيق للأفغانى على مسمع من الحاضرين: «أنت موضع أملى فى مصر أيها السيد»، ويقول محمد عبده: «الانزعاج بالنفى كان عاما، والكدر كان تاما، ولكن الخديو أظهر سروره مما فعل، وتحدث به فى محضر جماعة من المشايخ على مائدة الإفطار فى رمضان، فأظهر الطرب بذلك من كان لا يعرف لنفسه قيمة فى العلم والفضل فى محضر السيد جمال الدين، وألزمت الجرائد بنشر الأمر الصادر بالنفى، وفيه من التقريع الشديد ما لم يكن يستحقه الرجل، كما أنه كان فيه تشنيع جارح بمن كانوا يجتمعون عليه، فنشره البعض وأبت إحدى الجرائد نشره لأن محررها كان من تلامذته فعطلت». 
 
بررت الحكومة فعلها بقولها حسب الرافعى: «الأفغانى يسعى فى الأرض بالفساد، وأنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوى الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا»، ويشير أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس حلمى الثانى فى مذكراته عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»: «أنشأ الأفغانى محفلا ماسونيا ضم إليه تلاميذه وبلغ عدد المشتركين فيه نحو ثلاثمائة، وكان بين المنتمين إليه الأمير توفيق ولى العهد»، ويؤكد الدكتور حسن حنفى فى كتابه «جمال الدين الأفغانى - المئوية الأولى» عن مكتبة الأسرة - القاهرة»: «أنشأ محفلاً وطنياً تابعاً للشرق الفرنسى لتحويل الماسونية الغربية إلى حركة وطنية مصرية، وانضم إليه عدد بارز من المصلحين والمفكرين المصريين من تلاميذه ومريديه من العلماء والوجهاء، وجزع توفيق من تحويلها إلى حركة وطنية مصرية».
 
يعطى «شفيق باشا» صورة عما أحدثه «الأفغانى» من حراك بعد أن جاء إلى مصر فى مارس عام 1871 أثناء حكم إسماعيل ثم غادرها إلى الآستانة، وعاد من جديد بعد تعرفه على رياض باشا: «كان العامة فى ذاك العهد يعتقدون أن الحاكم هو السيد المطاع، فأراد جمال الدين بخطبه الملتهبة وبياناته المتطرفة تغيير هذه العقلية، وقبيل خلع الخديو إسماعيل خطب فى الإسكندرية قائلاً: «أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت منها ما تسد به الرمق وتقوم بأود العيال، فلماذا لا تشق قلب ظالمك؟. لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك؟» ويعلق شفيق: «بهذه الجرأة المدهشة كان الرجل يخطب ويتحدث، ولم يكن للناس عهد بمثل هذا فكانوا يسحرون بمنطقه ويدهشون له، ويذهب سامعوه بعد سماعه إلى مجالسهم الخاصة فيتحدثون بما سمعوا لجلسائهم وأقربائهم، مما جعل النفوس تتنبه قليلا قليلا، وتلتفت إلى علاقة الحاكم بالمحكوم، وواجب كل منهما نحو الآخر، وتنفى عن الأذهان عقيدة الحق الإلهى فى الحكم وتبحث عن تصرفات رجال الحكومة وتنقدها».
 
يؤكد محمد عبده، أن وكلاء أرباب النفوذ فى مصر ظنوا أنه محرك أفكار الإصلاح وباعث الأنفس على طلب الحرية ووضع أصول للنظام، فتقدموا إلى الخديو بإقامة الأدلة على خطر الرجل وأخافوه منه، فقرر نفيه».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة