بينما يتأهب الحجاج لموسم النفحات ومشهد الرحمات وقضاء شعيرة الحج الأعظم، بيَّن الدكتور شوقى علام مفتي الديار المصرية أهمية الوقوف على عرفة، وأنه المعادل لقضية التسليم الواجبة على المسلمين.
وأضاف في برنامجه: "حوار المفتي"، المذاع على قناة أون لايف أن الحجيج الواقفين بعرفة لا يجزئهم الوقوف بغيره، فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «الحج عرفة»، بيانًا لأهمية هذا الركن من أركان الحج، الذى إن فات الحاجَّ فقد فاته الحجُّ، وعلى ذلك إجماع المسلمين من الرسول الكريم إلى يوم الناس هذا.
وأوضح،: "من حضر عرفة في ذلك اليوم على أي هيئة فقد حضر، ماشيًا كان أو مارًّا أو نائمًا أو على أي هيئة، على ذلك أيضًا إجماع الأمة، وما دام هناك إجماع، فلا يجوز مخالفته؛ لأن ما رآه الناس حسنًا يكون عند الله حسنًا، إذ هو مراد الله عز وجل، وهو الصواب المحض، وعليه لا يجوز تمديد المكان المخصص لعرفة لوجود الإجماع على حدوده، ولكن يمكن تنظيم الوقوف في نفس المكان ونفس الزمان بغير تجاوز لهما، كما ترى الجهة المنظمة للحج، وهي السلطات السعودية".
وفتاوى دار الإفتاء تؤيد ضرورة تنظيم الوقوف بعرفة كما ترى الجهات المنظمة للحج.
وتابع: إن قضية التسليم هي الدرس الأهم من دروس الحج؛ لأننا رأينا الرسول يفعل ففعلنا، وقال: «خذوا عني مناسككم» فأخذنا بأريحية مسلِّمين بذلك، كما امتثلنا لإقامة شعائر الحج كافة متذللين لله كما أمرنا، ولو لم نعلم الحكمة من كل ما أمرنا به ربنا، فنحن متبعون لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ممتثلون لأوامر الشرع الحنيف. ودرس التسليم في أغلب العبادات هو أساس التعبد، وهو كذلك قضية الإسلام. فنحن إنما نرمي الجمار ونسعى ونطوف تسليمًا بغير سؤال عن غاية، وهذا لا يتعارض مع قضية حرية الإنسان والفكر، فمن مضامين الدين التسليم، والسؤال يبقى مشروعًا عن حكم التشريع ولو بغير جواب قاطع عن حكمته.
وقال : إن خطبة الوداع في يوم عرفة من الخطب الجامعة المانعة، حيث تكلم صلى الله عليه وسلم بكلمات موجزة قليلة تحمل مضامين عظيمة؛ فنحن عندما نعيد قراءتها لا نجد أنها تستغرق زمنًا طويلًا، ومع ذلك فقد حملت كل ما يمكن أن نقول عنه: "حقوق الإنسان"، ومن أهم ما نقف عنده في هذه الخطبة الجليلة قضية مهمة هي وصيته صلى الله عليه وسلم قائلًا: «إِنَّ دِمَائَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»، حيث نجد تحديدًا دقيقًا لهذه القضية؛ قضية حرمة الأموال والأعراض والنفوس، فلا يجوز لأحد أن يعتدي على أعراض الناس أو أموالهم أو أنفسهم تحت أي دعوى؛ فنفوس الناس وأموالهم وأعراضهم حرام آمنة بتحريم الله وبهذه الوصية النبوية الخالدة.
ولأن هذه الخطبة كانت آخر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في جمع كهذا الجمع؛ فهي وصية مودع، وعلينا أن نتخذها دستورًا ومنهجًا، على عكس أولئك الذين يعيثون في الأرض فسادًا، يبيحون الدماء وينهبون الأموال ويستحلون الأعراض بغير نظر إلى هذه الوصية العظيمة، فهل عندهم وصية هى أعظم من وصية الرسول الجامعة هذه يتبعونها؟!
وأوضح، أن هذا الدستور النبوي يضبط حركة حياة الإنسان كلها، فالمال العام أو الخاص سواء كان لمسلم أو لغير مسلم، وكذلك النفس والعرض، كل ذلك مصون ومحترم لا يجوز لأحد أن يعتدي عليه. والنصوص متكاثرة على أنه لا يجوز الاعتداء على الأعراض والأموال؛ إلا فى إطار أحكام القضاء، أما أن يُقتل أحدا أيا كان أو يُنتهب ماله أو يُستحلَّ عِرضه بغير مبرر من شرع أو قانون فهو حرام قطعًا.
واستطرد قائلًا: إن وصية الرسول بالنساء على الخصوص فى خطبة الوداع دليل على دور المرأة في الإسلام ومكانتها الكبيرة، حيث كانت وصيته بمثابة الترجمة النهائية لموقف الإسلام من المرأة، فقد جاء الإسلام والمرأة مهانة ذليلة ليست كالرجل كائنًا محترمًا، ولا مساويةً له في وضعه الاجتماعي، فإنها مثلًا لم تكن ترث مثله، جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتل أبوهما معك يوم أحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يَدَعْ لهما مالًا ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: «يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: «أعطِ ابنتَي سعد الثلثين، وأعطِ أمهما الثُّمُن، وما بقي فهو لك».
وذكر:" أعطى الإسلام للمرأة حقها من الإرث ليؤسس لمكانتها ووضعها ويرفعها إلى مقام الرجل، فالكل سواء ما دام الكل مكلف، حتى كانت حجة الوداع المؤسسة لقضية المساواة بين المرأة والرجل، فلا يجوز انتهاج غير هذا السبيل، ولن تقبل أي تشريعات تخالف هذا التشريع الإلهى والنبوي الخاص بحقوق المرأة".
وأضاف، أن الحج قائم على فقه التيسير، فقد كان منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم مبنيًّا على قاعدة: «افعل ولا حرج» لكل من جاء يسأل طالبًا التيسير في أمر وقع عليه فيه حرج، ونحن نستظل بظلال تلك القاعدة الوارفة: التيسير والامتثال، في كل أمور الحج. وقد ظلت فتاوى تقول بأن الرجم إنما يكون بعد الزوال في أيام التشريق، ووقع الناس في حرج شديد، فنبَّه بعض الفقهاء كالشيخ عبد العزيز عيسى إلى مد وقت الرمي على مدار اليوم، فخفَّف بذلك على جموع الحجيج بمقتضى فقه هذه القاعدة العظيمة: «افعل ولا حرج».
ونصح مفتى الديار المصرية حُجَّاج بيت الله: أن يكون أحدهم عونًا لأخيه المسلم خصوصًا المرأة والضعيف، بشوشًا في وجوه الناس، وينبغي أن تُستثمر هذه الأوقات الطيبة في حسن معاملة الآخرين، فالدين المعاملة وصعوبات الحياة تحتاج إلى صبر نتعلمه من مناسك الحاج، كدرس في حسن المعاملة مع الإخوة في الحج، خاصة أنه يوم يجتمع فيه المسلمون من جميع الجنسيات، ومن مختلف الطبائع.
وختم، موضحًا دور دارالإفتاء في أيام الحج بأنها تكون حاضرة بجملة أمور، منها: توفير كتيب عن الحج، يُعرِّف بالمناسك والشعائر وأعمال الحج، والقيام بحملة توعية عن طريق الفتاوى الهاتفية أو المكتوبة أو الشفوية، أو عن طريق وسائل الإعلام؛ بما يساعد الحجيجَ على أداء مناسكهم ليعودوا إلى أراضيهم سالمين إن شاء الله.