ربما يكون أغسطس الجارى هو الأكثر سخونة وارتباكا فى العاصمة الأمريكية واشنطن، فبعد تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حول ما حدث من عنف فى تشارلوتسفيل والتصعيد الكلامى مع كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووى، والإعلان عن خطة جديدة فى أفغانستان، وغيرهم، يبدو أن الرئيس الأمريكى أبى أن ينهى الشهر دون قرارًا مربكًا جديدًا يتعلق هذه المرة بحليف قوى للولايات المتحدة.
ففى قرار مفاجئ يعكس الفوضى والتخبط داخل الإدارة الأمريكية، تم إلغاء مساعدات تتعلق بمصر تصل إلى 95.7 مليون دولار، وتأجيل مساعدات أخرى قيمتها 195 مليون دولار، وهو ما أعقبه بيانًا صارمًا من الخارجية المصرية يؤكد على أن تحديات مصر الاقتصادية والأمنية لا ولم تؤخذ بجدية من جانب واشنطن.
ورأى المجلس الأطلنطى، وهو مركز بحثى أمريكى مرموق، أن إدارة ترامب تعمل فى مهامها منذ سبعة أشهر، ومع ذلك فإن عقيدتها فيما يتعلق بالسياسة الدولية مازالت غير معروفة، فمازالت الوظائف الكبرى فى وزارة الخارجية شاغرة ومازالت الكثير من الوظائف فى سفارات حساسة خالية، كل ذلك يحدث فى ظل ظهور الأزمة تلو الأزمة، الأمر الذى وصفه المجلس بعدم فاعلية فى إدارة ترامب بشكل عام، لما عانته من استقالات متتالية فى الآونة الأخيرة، أثرت بشكل واسع على مجالات عدة ومنها السياسة الخارجية.
وأضاف المركز المعنى بالأبحاث السياسية، فى تقرير للزميل إتش إيه هيللر، أنه حين يُطرح السؤال حول كيفية تعريف وتحديد ملامح العلاقات الأمريكية مع مصر، فإن الإجابة ستأتى مرتبكة، لأن هذه هى طبيعة الإدارة فى واشنطن، حيث لا توجد سياسة شاملة فيما يتعلق بمصر، كما أنه لا توجد سياسة شاملة فيما يتعلق بالشئون الدولية أو أى دولة أخرى.
ولفت إلى أن تقليص المساعدات يمكن أن يكون متماشيًا مع سياسة إدارة ترامب الخاصة تقليص ميزانية الخارجية والمساعدات الأمريكية. وخلص التقرير بالقول أن ترامب هو "أشياء عديدة غير متوقعة أو متسقة"، مضيفًا أن الارتباك هو الاستراتيجية الوحيدة فى هذا البيت الأبيض.
وبالإضافة إلى الإرتباك والفوضى، فإن قرار وزير الخارجية ريكس تيلرسون يعكس إزدواجية فى المواقف الخارجية لإدارة ترامب، ففى حين ذهب لتجميد جزء من المساعدات بدعوى الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان فإنه يصمت حيال الكثير من الانتهاكات الحقوقية بل وتمويل الإرهاب لدى دول أخرى وعلى رأسها قطر، التى ذهب إلى عقد إتفاق معها لمكافحة الإرهاب وسط مقاطعة الدول العربية لها لمواصلتها هذه الجريمة، فضلا عن أن الدوحة، وفق تقارير منظمة العمل الدولية ومنظمة العفو الدولية، ترتكب انتهاكات حقوقية فاضحة بحق العمال الآسيويين لديها، ناهيك عن ملف الديمقراطية.
وفى الوقت الذى قامت فيه واشنطن بقطع ما يصل إلى 300 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بسبب رفض الإدارة الأمريكية لقانون الجمعيات الأهلية الذى تعتبره مقيدًا للحريات، فإنها قامت بتجميد 50 مليون دولار فقط من المساعدات العسكرية لباكستان، الشهر الماضى، لأن إسلام أباد لم تبذل جهودا كافية لمكافحة الإرهاب.
وتعليقًا على القرار المحير من قبل الإدارة الأمريكية تجاه مصر، كتب جاى هومنيك، الزميل الرفيع لدى مركز لندن للأبحاث السياسية، واصفًا القرار بأنه فكرة سيئة، كما أنه لن يكون مثمرًا على الجانب الدبلوماسى.
وأشار هومنيك فى مقاله بموقع "ذا أمريكان سبيكتاتور" إلى رد الخارجية المصرية بوصفها القرار يعكس سوء تقدير للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مضيفًا أنه يعكس أيضًا سوء تقدير يتعلق بترك موظفى وزارة الخارجية يضعون السياسات دون رقابة وتساءل لماذا ما تزال وزارة الخارجية الأمريكية على علاقة مع الإخوان المسلمين.
وأضاف أن الكثيرون فى الولايات المتحدة ربما يترددون فى الوقوف وراء الرئيس عبد الفتاح السيسى، لكنه الرجل الصحيح فى المهمة الصحيحة فى الوقت الحالى، ودعا ترامب إلى منح المساعدات العسكرية والاقتصادية كاملة لمصر.