فى صباح الحادى عشر من سبتمبر بالعام 2001 استيقظ الأمريكيون على الحادث الدموى الأعنف فى التاريخ، وبسبب فارق التوقيت بين نيويورك وباقى بلدان العالم، فقد كان مساءً مروعا فى تلك الدول التى سينالها الأثر الأكبر من تداعيات الحادث، وهنا إشارة إلى الدول الإسلامية فى الشرق الأوسط، تلك التى وضعها مخططو الحادث وصانعوه صوب أعينهم.
لحظة تدمير البرج الجنوبى
سبتمبر وذروة البترول
حتى العام 2001 لم تكن الولايات المتحدة قد اكتشفت بعدُ النفط المستخرج من بين الصخور، ووقتها تعالت أصوات أمريكية تؤكد أن العالم على وشك الولوج فى مرحلة "ذروة النفط" وهى النظرية التى تؤكد أن أقصى معدل لإنتاج النفط فى العالم بين عامى 2007 إلى 2037 بحسب تقديرات مصادر الطاقة الأولية ومعدل استغلالها، وفيه تصل تلك القمة الإنتاجية العالمية، إلى ذروتها ومن ثم تهبط إلى ما دون ثلث معدلاتها فى زمن القمة وتؤدى إلى صراعات دولية كبيرة.
تعرف نظرية "قمة هوبرت Hubbert Peak theory" بأنها الوقت الذى يبلغ فيه الإنتاج العالمى للنفط حدا أقصى ويبدأ بعده فى الانخفاض، وواضع النظرية هو عالم الجيولوجيا ماريون كينج هوبرت (1903 ـ 1989) الذى أوردها فى مجال الحديث عن تأثير النفط فى صياغة العلاقات الدولية مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين.
رسم بياني بذروة النفط
وقتها شعر صناع السياسة فى الدوائر الأمريكية أنه لابد من وضع أيديهم على آبار النفط العصية على السيطرة؛ لمعادلة الأزمة المرتقبة فى النفط والتى ستأتى بعد نحو 6 سنوات من ذلك التاريخ، وعليه كان نموذج إسقاط الرئيس صدام حسين الخارج عن الطوع الأمريكى والسيطرة على الثروة النفطية العراقية المهولة.
حشد الرأى العام
يقول الفيلسوف وعالم السياسة الأمريكى الشهير صمويل هنتنجتون إن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه خطر التفكك وإنها لتأجيل هذا التفكك يجب أن تواجه أزمة توحد مواطنيها، وكانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر هى الفرصة التى لا يمكن تكرارها لهذا الغرض، لأنه بعد ذلك بدأ الأمريكان الذين كان قد ضعف العامل الوطنى لديهم يضعون أعلام الولايات المتحدة أعلى منازلهم.
موقع برجى التجارة العالميين
يمكن التعمق فى الموضوع من هنا:
على جانب السياسة كان صناع القرار فى الدوائر العليا بواشنطن، وعلى رأسهم وزير الخارجية ذى الأصول الجاميكية، كولن باول، يرون أنه لا بد لأمريكا إذا أرادت أن تظل قوة عظمى أن تضاعف من احتياطياتها من النفط عن طريق السيطرة على منابع البترول بدون أن تدفع أموالا مقابل ذلك، وهو ما يستلزم شن حملة عسكرية على دول ذات صلة وعلى رأسها العراق، لكن ذلك يتطلب موافقة دولية وداخلية.
هنا كانت علامة الاستفهام بحاجة إلى جواب: كيف نحشد الرأى العام داخليا للموافقة على قرار الحرب؟ وكيف نحصل على موافقة العالم الخارجى بل ومساعدتنا فى حربنا المفترضة؟ الإجابة: لابد من حدوث كارثة كبرى، أكبر من أن يناقشها الناس أو الحكومات الأخرى، ومن هنا جاءت فكرة الحادى عشر من سبتمبر.
علاقة العراق بأحداث سبتمبر
كانت الفكرة قائمة على ضرورة تصدير مبدأ "الحرب الاستباقية" وقد قال الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش صراحة إنها "حرب صليبية" وإنه "من ليس معنا فهو ضدنا"، مع كم هائل من مثل هذه العبارات الإقصائية التى استهدفت الذهاب إلى الحرب بكل الطرق وبغض النظر عما إذا كانت الدوافع موضوعية أم لا.
الحقيقة أن الرئيس الجمهورى جورج دبليو بوش كان ذا ميولا عدائية غير مفهومة ضد العراق، حتى إنه فور انتخابه رئيسًا فى العام 2000 عمل على نقل السياسة الخارجية لبلاده تجاه العراق من النفور إلى العدوانية تماشيا مع توجهه الشخصى، إذ دعا إلى التنفيذ الكامل لقانون ما اصطلح على تسميته بـ"تحرير العراق"، مستهدفا من ورائه عزل الرئيس العرقى صدام حسين، زاعما أنه على صلة بتنظيم القاعدة المتهم الرئيسى فى هجمات سبتمبر.
الاعتداءات التى قام بها الجنود الأمريكيون بحق المواطنين العراقيين
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الأسباب لتبرير الحرب على العراق، وعلى رأسها وجود علاقة سرية بين الرئيس العراقى صدام حسين والقاعدة بين عامى 1992 - 2003، ووجود أسلحة دمار شامل لم يتم تدميرها فى مواقع بداخل بغداد، وعزل صدام حسين من السلطة؛ لأنه يقمع المعارضين.
المهم أن الحرب تمت وقتل الجيش الأمريكى أكثر من مليون عراقى حتى استتب له الأمر، وكان أول قرار اتخذه الحاكم العسكرى للعراق، بول بريمر، هو حل الجيش؛ حتى يبقى العراق بلا ظهر يحميه، ومن وقتها بدلا من أن تقضى أمريكا على الإرهاب بالعراق، أصبح العراق أكبر مفرخة لإنتاج الإرهاب وتصديره إلى سوريا ومصر وليبيا واليمن وظهر فيه تنظيم داعش.
أمريكا صانعة الإرهاب
يبدو المشهد الآن بانوراميا كاشفا بعد مرور ستة عشر عاما على أحداث الحادى عشر من سبتمبر تلك التى كانت إحدى مقدمات الحرب على العالم الإسلامى وتفتيته وإضعافه واحتلال أرضه وسلب مقدراته وثرواته، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ثم الخروج منه وتركه بين أنياب أشرس جماعات إرهابية فى التاريخ، تلقى دعمها وتسليحها من الجيش الأمريكى نفسه.
وهنا لا بد أن يُطرح السؤال: هل نجحت أمريكا فى حماية نفسها من الإرهاب أم إن سياساتها أدت إلى أن تشتعل المنطقة بالإرهاب؟ الإجابة الحتمية أن أمريكا فشلت فى حماية نفسها من الإرهاب وتعرضت مصالحها لخطر داهم جراء هذا الإرهاب المتنامى، كما تعرضت الدول الحليفة لها إلى هجمات إرهابية مروعة، لعل أبرزها ما تم فى باريس وبروكسل.
تنظيم داعش الإرهابى
ولا أدل على ذلك من لجوء واشنطن إلى الانسحاب الكامل وفقا لما يعرف بـ"الخطة صفر" من العراق وأفغانستان بتكلفة قدرت فى عهد الرئيس أوباما بـ6 مليارات دولار، ثم عادت أدراجها مرة أخرى فى الإقليم قائدة لما يعرف بالتحالف الدولى للحرب على الإرهاب لا لشىء سوى لضبط معادلة القوة وموازنة الإرهاب وجعله فى مستوى قوة الدول حتى يبقى الوضع على ما هو عليه، يدمر المسلمون والعرب بعضهم بعضا وتبقى إسرائيل فى معزل عن أى صراع!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة