يعانى أغلب الصيادلة بشكل يومى من صعوبة فك شفرة وقراءة الروشتة العلاجية، فى عصر باتت فيه أجهزة الحاسب الآلى المتطورة واساليب الطباعة المتقدمة عامل رئيسى وأساسى فى المنشآت والمستشفيات وحتى المحال التجارية الصغيرة، ولا زال الطبيب المعالج يعتمد على أساليب الكتابة التقليدية والسريعة التى يراها من وجهة نظره تساعده على توفير الوقت، ولعل ابلغ دليل على ذلك، تلك الخطوط العرجاء التى تُكتب بها الوصفة العلاجية "الروشتة"، ليقوم بعدها الصيدلى بدور العالم الفرنسى "جون فرانسو شامبليون" الذى فك رموز حجر رشيد لفك رموز تلك الوثيقة الورقية.
ومن الغريب حقا فى عصر التكنولوجيا المتطورة التى نحياها ونلمسها جميعاً، الطرق الوسائل والأساليب التى يعتمد عليها الصيدلى لمعرفة اسم العقار او الدواء المستخدم حين يتعذر عليه معرفة اسمه لسوء خط الطبيب المعالج، منها على سبيل المثال سؤال المريض عن سعر الدواء ولون عبوته حتى يحاول ربط مواصفات ذلك الدواء مع الحروف الاولى للدواء، والتى من المفروض تكتب باللغة الانجليزية، ولكنها تبدو وكأنها أحرف لـ اللغة الأمهرية القديمة، حتى ذلك الاختيار بات صعبا لتغير سعر الدواء بصفة مستمرة كل يوم، او تغيير شركات الأدوية المنتجة لشكل وسعر العبوة بين وقت وآخر، ليصل به الامر احيانا الجلوس امام تلك الوصفة السحرية ويحاول وصل الأحرف بعضها ببعض افقيا ورأسيا بمساعدة المريض المسكين، وكأنه يختبر معلوماته امام رقعة للكلمات المتقاطعة.
ويتنفس المريض الصعداء حين يتذكر أن هذا الدواء يتناوله قبل الاكل ببضع دقائق وكأن هذا الدواء دون غيره يوصى بتناوله بهذه الكيفية !!!، ليخبر الصيدلى على الفور بذلك املاً منه مساعدته للوصول لاسم ذلك الدواء، او مريض اخر يتقدم بمعلومة لعلها تُفيد الصيدلى أن هذا الدواء يتناوله صباحا ومساء !!!
وأحيانا اخرى يضطر الصيدلى إلى الاستعانة بمؤشر البحث جوجل لمعرفة أحدث الأساليب العلمية لقراءة الروشتة، او قد يضطر الصيدلى لفتح المندل لو أمكن للاستفادة بثمن الروشتة، وهامش الربح، او بأى وسيلة اخرى حتى لا يشعر بالقصور الذهنى لإخفاقه فى عدم مقدرته لقراءة الروشتة لعله احساس غير مُرضي.
قد يلجأ الصيدلى أيضا بمقارنة صنف بالصنف الذى يسبقه والذى تم بحمد الله الوصول إلى اسمه وعلاقته الإيجابية ومدى تفاعله بالأصناف الاخرى فى عملية تكون اصعب من تركيب الدواء نفسه، للوصول للنهاية وصرف الروشتة للمريض، او يرجع ذلك الصيدلى النجيب بذاكرته لايام دراسته بكلية الصيدلة ومغامراته المعملية ليقوم بالربط بين المادة الفعالة لذلك الدواء وتخصص الطبيب المعالج الذى رسم بعناية بالغة خطوط سريالية على ورقة رشيقة تحمل اسمه وتخصصاته وعناوينه وأرقام تليفوناته وهواتفه المحمولة والشهادات التى حصل عليها والجامعات التى يحاضر فيها، والزمالة الملكية، بالاضافة إلى الرتب والنياشين التى تقلدها والمشاهير الذين يترددون على عيادته.
اذا لابد أن يكون للصيدلى قاعدة تخمين أولية ولغة استشعار واستشفاف واستنباط تصل لحالة من التنبؤ لفك تشفير رموز الروشتة التى وان طويت بطريقة مثلثة أصبحت أشبه بحجاب المشعوذ الذى يدفع الحسد عن من يعتقد فى تلك الامور .
الامر الأكثر خطورة هو شعور المريض بعدم الطمأنينة والرضا بعد تلك المحاولات المضنية للوصول ل اسماء الادوية التى يريدها.
اواه يا قلبى، لو صُفت تلك الأحرف بعناية كنّا جميعا والصيدلى ابعد عن تلك الحيل والاساليب والطرق الكثيرة لقراءة الروشتة، وحافظنا على أصناف كثيرة من الأدوية المهدرة والتى تُصرف عن طريق الخطأ
إنه لأمر بسيط للغاية لا يستغرق بضع ثوانٍ معدودة لكتابة تلك الوريقة الصغيرة بأكثر وضوحا حفاظا على صحة المريض سلامة الطبيب والصيدلى ايضا، وجعل الشخص المعنى بصرف الدواء اكثر هدوء وطمأنينة .
نحن بحاجة لطبيب وصيدلى بدرجة حرص الفنان حسين رياض فى فيلم حياة او موت، الذى اكتشف خطأه العلاجى بادر للتو بالبحث عن احمد ابراهيم القاطن بدير النحاس، وتكاتفت معه كل أجهزة الدولة بحثا عنه حرصا منهم جميعا على سلامة " سى أحمد ابراهيم "، اذ وصل الامر بتعطيل البث الإذاعى لإذاعة الجملة الشهيرة " لا تشرب الدواء الذى أرسلت ابنتك فى طلبه، الدواء فيه سٌمٌ قاتل " لإنقاذ حياته .
عافانا الله واياكم من كل علة
وحفظ الله مصر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة