وسط القاهرة حيث مقر جامعة الدول العربية كان المشهد عاصفا.. وقف مندوب قطر وحيدا ينطق بالباطل فى حق الرباعى العربى الداعى لمكافحة الإرهاب، فى جلسة ستذكرها الوثائق التاريخية لتلك المنظمة التى تجاوز عمرها السبعون عاما، والتى وقفت صامته طيلة ثلاثة أشهر عمر الأزمة بين الدوحة وجيرانها وعاجزة على مدار السبع سنوات الماضية لمواجهة إمارة الإرهاب بحقيقة الدور التخريبى الذى يقوم به حكامها تجاه الأنظمة العربية.
فخلال جلسة وزراء الخارجية العرب التى شهدت تلاسنا بين دولة منفردة وكيان يضم أربعة من أركان المنطقة العربية منحت كثيرا من الرسائل، حتى أن البعض اعتبرها توثيقا لميلاد منظمة عربية جديدة لها صوت واحد وموقف موحد صلب لا يحيد عن المصالح العربية، وتتوافق أهداف هذا الكيان مع التحديات الجديدة التى تشهدها المنطقة بعد أن تلاحقت الأحداث وتبدلت الخريطة منذ هبوب رياح الربيع العربى.
فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة وقرار الرباعى العربى بتوحيد كلمتهم فى مواجهة ممارسة قطر الداعمة للإرهاب تبين عجز المنظمة العربية التى بلغت شيخوختها فى عقدها السابع، حتى بدأ المراقبون فى طرح التساؤلات حول ما إذا كانت أزمة الدوحة وانتفاضة الرباعى العربى ضدها شهادة وفاة للجامعة العربية، وهل كانت سلسة الاجتماعات الوزارية المتلاحقة التى عقدها الرباعى فى أكثر من عاصمة عربية دعوة لتدشين مؤسسة اقليمية جديدة تقوم على أسس مختلفة عن تلك التى قام عليها بيت العرب.
مراقبون للوضع العربى أكدوا أن الضعف تسلل إلى جسد الجامعة العربية منذ سنوات عندما فشلت فى تعديل ميثاقها بما يتماشى مع تحديات العصر الراهن، وعندما أخفقت فى احتواء أزمات العرب بعد ثورات 2011 وتركت الأوضاع فى سوريا وليبيا فريسة للتدويل وتحكم القوى العظمى فى واشنطن وموسكو والإقليمية فى طهران وأنقرة لتقرير مصيرها، وعندما شاهدت بالأدلة إحدى دولها الأعضاء وهى تمول الإرهاب فى المنطقة ولم تحرك ساكنا، وتركت المساحة لوساطات فردية لحل الأزمة.
وأكد مصدر عربى أن زمام المبادرة لم يصبح فى يد الجامعة العربية التى سقطت فعليا فى اختبار أزمة قطر، لافتا إلى أنه أصبح هناك نواة قد تكون مقدمة لتشكيل مؤسسة جديدة تتجاوز الجامعة العربية ومنظمة التعاون الخليجى، مشيرا إلى أن الرباعى العربى أثبت على مدار الشهور الثلاثة الماضية نجاحه فى تدشين مرحلة جديدة من التعاون المشترك.
وأوضح أن العمل المشترك الذى قامت به الدول الأربعة فى الأزمة مع قطر لا يختلف تماما عن عمل المنظمات الإقليمية، فالعواصم الأربعة اتفقت على خطة عمل موحدة لمواجهة الإرهاب فى المنطقة ومن يقف خلف تمويله والتزموا بها، كما قاموا بإدارة الأزمة بنجاح من خلال قيادة حملة دبلوماسية عربية ودولية للتعريف برجاحة موقفهم، ووضع قائمة مطالب توحدوا حولها.
وأكد المصدر أن الأوضاع الآن تحتم التفكير جديا فى تدشين منظمة جديدة حيث أن ميثاق الجامعة العربية الذى تم وضعه فى 1945 لم يعد صالحا للتاشى مع قضايا العرب فى 2017، لافتا إلى أن الأوضاع اختلفت والتحديات تغيرت والعديد من الأنظمة العربية سقطت وقامت غيرها، ومن جانب آخر فشلت الجامعة فى تحديث ميثاقها بما يواكب الأحداث الحالية حيث لا زالت منذ سبع سنوات تدور فى نفس الحلقة المفرغة دون انجاز يذكر فى قضية تحديث ميثاقها.
وليس غريب أن تقود القاهرة والرياض التأسيس لكيان جديد كما كانا الأساس فى خروج فكرة بيت العرب إلى النور منذ 70 عاما، عندما قرر البلدان تنحية أية خلافات جانبية بينهما، وفى ليلة وضحاها تم بناء مدينة كاملة من الخيام على قمة جبل الرضوى فى ينبع بالسعودية، بعيدا عن الأضواء لاستضافة الملك فاروق فى زيارة "الثلاث أيام" والتى ألتقى خلالها الملك عبد العزيز آل سعود لتدشين مرحلة جديدة من التعاون العربى.
فميلاد الجامعة العربية لم يتم بين ليلة وضحاها بل كان هناك تحديات حقيقية تواجه الشعوب العربية وتتطلب الاصطفاف من الجميع، حيث كانت الحركة الصهيونية تتصاعد لتهدد دول المنطقة وليس فلسطين وحدها، فى إلى جانب ظهور حركات التحرر فى الأقطار التى لا زالت قابعة تحت قبضة الاستعمار، وكان المشهد ينذر بانفجار وشيك محدق بالمنطقة العربية التى لم تجد لواء موحدا تنضوى تحته منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية.
وسبق أول اجتماع قمة عربية عُقد فى مقر استراحة ملك مصر والسودان فاروق الأول فى أنشاص عام 1946 لقاءات عديدة، قادتها مصر مع الدول العربية على المستوى الثنائى والثلاثى والرباعى حتى تم وضع أساس أول منظمة إقليمية التى تعتبر أقدم من الأمم المتحدة، والآن أصبح السؤال مشروعا بعد أن ظهر ضعف الجامعة بشكل واضح فى اجتماع وزراء الخارجية العرب الثلاثاء الماضى، والذى لم يشهد إطلاق مبادرة من أمينها العام لتجميع الأشقاء لطاولة واحدة لحل الأزمة وإعادة من شرد خارج الإجماع العربى، وتركت المختلفين فى خلافاتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة