منذ ما يقرب من السبع سنوات اعتصر قلب العرب وهم يشاهدون مراسم انفصال جنوب السودان، وفى حين تم تقسيم الخريطة السودانية بترحيب ومباركة المجتمع الدولى كان هناك حديث جانبى يعم الوطن العربى محذرا من أن هذه الخطوة تدق ناقوس خطر، محذرة من أن هناك خرائط لدول عربية أخرى قد تلقى نفس المصير المؤلم فى المستقبل القريب.
ومرت السنوات وهبت رياح الربيع العربى على المنطقة وسقطت أنظمة واشتعلت حروب وصراعات فى سوريا واليمن وليبيا والعراق، ونسى الجميع فى خضم تفاقم الأزمات انقسام السودان ليستفيق اليوم على مشهد مماثل فى بقعة عربية جديدة، حيث يصرخ العراق من وجع محاولات نزع قطعة أصيلة من أرضه لإقامة دولة كردية عليها، ليستيقظ من جديد الوجع العربى الذى لا يشعر به العراق وحده بل وصل إلى مناطق عربية أخرى، مهددا بانتشار سرطان الانفصال إلى كامل خريطة الوطن العربى.
مراقبون يؤكدون أنه إذا نجحت مساعى الأكراد فى اقامة دولة لهم عبر الاستفتاء المزمع إجراؤه فى 25 من سبتمبر الجارى فإن هذا سيكون له نتائج كارثية على المنطقة، فالعراق قد يعانى من انقسامات آخرى مذهبية وعرقية وقد تسرى تلك الحركة الانفصالية إلى سوريا ومنها إلى جنوب اليمن الذى يرغب فى الانفصال، وهو المخطط الذى يدعمه الغرب لتمزيق الخريطة العربية.
ومن بين الدول التى حبست أنفاسها خلال اليومين الماضيين فى اعقاب تحركات الأكراد، المغرب تخشى من مخاطر انزلاقها نحو تقسيم خريطتها، بعد أن اعتبر المراقبون أن تحركات الأكراد سيكون لها صداها القوى لتحرك الداعين لانفصال الصحراء الغربية عن حكومة المغرب رغم فشل مساعيها على مدار 40 عاما مضت.
الرباط بدورها تلتزم الصمت تجاه الجدل الدائر حول مساعى الأكراد لإقامة دولتهم ولم تصدر أى موقف رسمى للدولة حتى الآن، إلا أنها تراقب عن كثب كافة التطورات فى العراق وتنتظر ما ستسفر عنه الأزمة فى كردستان، وعينها على الصحراء الغربية وتحركات جبهة البوليساريو التى تطالب الأمم المتحدة بإجراء استفتاء مماثل لحق تقرير المصير قبل نهاية العام الجارى.
ومنذ العام 1975 حيث بسطت المغرب سيطرتها على 80% من الصحراء الغربية - بعد انتهاء الاستعمار الأسبانى، ما أدى إلى اندلاع نزاع مسلح مع البوليساريو استمر حتى 1991، وانتشار بعثة أممية فى المنطقة لمراقبة تطبيق وقف إطلاق، وتحاول حكومات الرباط المتعاقبة فى الاحتفاظ بخريطتها موحدة وحل الأزمة سلميا عبر اقتراحها حكماً ذاتياً موسعاً للمنطقة تحت سيادتها.
ونجحت جهود المغرب الدبلوماسية حتى اللحظة فى الحفاظ على وحدة الأراضى المغربية، إلا أن الرباط بدأت تشعر بالخوف من أن يمنح استفتاء الأكراد ثقة أكبر للحركات الانفصالية والتحرك دوليا للتأثير على الموقف الأممى وتغيير دفة النزاع نحو الانفصال. وبدأت بالفعل بالتزامن مع تحركات الأكراد فى العراق تحركات من شأنها تثير مخاوف المغرب، حيث شارك سفير ممثل للصحراء الغربية سيدى محمد عمرى فى ندوة منذ يومين بمقر مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف على هامش الدورة الـ36 لمجلس حقوق الإنسان.
وحمل المسئول الصحراوى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مسئوليتهما فى فرض تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوى، مشيرا إلى أن الإقليم "غير مسير ذاتيا أو منزوع السيادة ولا يحق للمغرب التصرف فى خيراته مهما كانت الظروف، طبقا للقوانين والمواثيق الدولية"، ما يعنى عدم شرعية أى استغلال لثروات وخيرات الشعب الصحراوى- على حد زعمه.
ومن جانبه دعا الأمين العام لـ "جبهة البوليساريو" ابراهيم غالى إلى استئناف مسار المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو حول مصير الصحراء الغربية، وطالب مجلس الأمن الدولى بتطبيق القرار الأخير رقم 2351 حول القضية الصحراوية، لافتا إلى أن الأمم المتحدة مسئولة عن تصفية القضية وتطبيق خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، القاضية بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوى".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قد عيّن الأسبوع الماضى الرئيس السابق لألمانيا هورست كوهلر مبعوثًا خاصا له بإقليم الصحراء، خلفا للأمريكى كريستوفر روس الذى أنهى مهمته فى 30 (إبريل) الماضى، لإحداث "اختراقات" فى النزاع المستمر منذ أكثر من 40 عاما.
وكان مجلس الأمن كان قد مدد وفق القرار رقم 2351 مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء فى الصحراء الغربية "المينورسو" إلى غاية 30 (إبريل) المقبل، ودعا الأطراف إلى مواصلة مسلسل الإعداد للجولة الخامسة من المفاوضات، والتحلى بالواقعية وروح التوافق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة