ربما لا يعزف الخوف منفردًا فى هذه المسألة، وربما أيضًا لظاهرة "تكبير الدماغ" دخل فى هذه الحالة، فمنذ وقت ليس ببعيد غابت عن حياتنا المناظرات الثقافية التى كانت تحظى بقبول شعبى كبير، كما كان لها أكبر الأثر فى المعرفة واختمار الأفكار وعرضها، وفى الحقيقة فيجب هنا قبل أن نتباكى على غياب المناظرات علينا أن ندرك أنه ربما يكون لها بعض الآثار السلبية مثل اجتذاب بعض شرائح المتعصبين أو تعميق روح التعصب عند البعض، بالإضافة إلى أنه فى بعض الحالات تتحول المناظرات إلى "مناقرات" أو إلى مناوشات، لكن ما لا يجوز أن ننكره هو أن مسألة ترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب دون تنقيح أو تصحيح أصبحت أمرًا فى غاية الخطورة.
على-جمعة
أعرف هنا أنه ربما يحتفظ البعض بذاكرة سيئة لفكرة المناظرات عامة، فقد تم تكفير الكاتب الكبير الراحل "فرج فودة" بعد مناظرة شهيرة شارك فيها الشيخ محمد الغزالي، كما تم تكفير الدكتور عبد الصبور شاهين صاحب كتاب "أبى آدم" والذى شارك فى تكفير الدكتور نصر حامد أبو زيد بعد مناظرة شبيهة بمناظرة "فودة" كما خرجت المناظرة الشهيرة بين الدكتور على جمعة مفتى الديار الأسبق والشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى بشكل لم يرض الطرفين، لكن مع هذا لا يمكننا أن نتجاهل الفوائد التى تعود على المجتمع من هذه المناظرات بل يمكننا هنا أن نجزم بأن منافع المناظرات للحياة الثقافية أكبر بكثير من أضرارها، لأن آثارها ببساطة لا تنحصر فى الحاضرين لها أو المتابعين لها عبر شتى الوسائل، لكنها تمتد إلى ما بعد ذلك بكثير، فغالبية هذه المناظرات تتحول إلى وثائق تاريخية تثبت آراء المختلفين وتعرض الحجج والبراهين لكلا الطرفين، كما يظهر من خلالها قوة الشخصيات المتحاورة أيضًا وليس قوة الفكرة المعروضة، كما تمنحنا صورة كاملة عن ذكاء الأطراف المتحاورة الاجتماعى، وتمنحنا أيضًا لمحة موجزة عن أخلاقيات كل طرف.
أحمد-عبد-المعطى-حجازى
من فوائد المناظرات أيضًاأنها تعلى من قيمة الحوار وتعزز من فرص نمو الأفكار ولا سيما الأفكار المخالفة لما هو سائد والتى لا يتطور المجتمع من دونها، كما غيابها يدل على أن المجتمع أصبح أحادى التفكير أحادى الاتجاه أحادى النظر، وهناك فارق كبير الوحدة والأحادية، الوحدة تعنى اختيار الاجتماع على شيء، بينما الأحادية تعنى الإجبار أو التسيير إلى شيء، الوحدة تعنى سلامة فى البنية وعمق فى الاعتقاد، والأحادية تعنى اهتراء البنية وتذبذب الاعتقاد، ولهذا كله نحن فى أشد الحاجة لعودة المناظرات الحامية إلى قاموس حياتنا الأدبية والثقافية، وذلك على الأقل لإعلام الناس بأن هناك حالة ثقافية عامة وأن هناك أفكارًا تطرح، ونظريات يتم التكريس لها، وليس أدل على هذا من قضية يوسف زيدان وآرائه فى صلاح الدين الأيوبى التى صدمت الكثيرين ونالت الكثير من الاهتمام، فكل فريق اتهم الفريق الآخر ببعض الاتهامات، أنصار رفع القداسة عن الشخصيات التاريخية حاربوا زيدان واتهموه بالكثير من الاتهامات، وأنصار تأجيج الصدام مع المجتمع تضامنوا مع زيدان بكل ما أوتوا من قوة، فى حين أن صوت العقل غاب تمامًا عن القضية برغم أن كلا الطرفين يحمل قيمة "ما" ويحمل حجة "ما" ويحمل وجهة نظر "ما" لكننا لم نفكر للحظة فى فى عقد مناظرة حول هذه الأفكار على الأقل ليعرف القارئ العام بعضًا عن تاريخ أمته.
يوسف-زيدان
عدد الردود 0
بواسطة:
هههه
دعوه للتفكير
مقال محترم للغاية ، فالتفكير هو الطريق الوحيد لمواجهة التكفير .. فى النور تبان الخفافيش اللى اتعودت على الظلام وخطفت من اولادنا كثيرين وخبأتهم فى جحور وشقوق او التهمتم .. ادعو اليوم السابع وقنوات التليفزيون المحترمه لعقد مناظرات لتوضيح قضايا الفكر الغريب الذى يترسخ فى نفوس البسطاء من خلال فتاوى شاذة وافكار خاطئة تذهب بمجتمعنا من سئ لأسوأ..