وجوه الفيوم أو كما يطلق عليها "بورتريهات الفيوم" تنتشر فى متاحف مصر والعالم بمختلف أشكالها وجميعها عبارة عن لوحات زيتية مرسومة بالشمع على الخشب أو القماش بإحجام لا تتجاوز 20× 30 سم ويجمع بينها لفتة الحزن المميزة فى الوجوه ونظرة العين الواحدة.
يقول سيد الشورة مدير عام آثار الفيوم، إن هذه البورتريهات كانت توضع على وجوه الموتى بعد وفاتهم وهى مستوحاة من فكرة مصرية قديمة فى نظرية الخلود، والبعث وحتى تتعرف الروح على صاحبها من خلال هذه الوجوه، مشيرا إلى أنها مدرسة خاصة ظهرت فى مصر فى منطقة الفيوم، بعد أن انفتحت مصر على العالم الخارجى، وفيها تم رسم الوجه كاملاً من الأمام، وملتفتا فى بعضها قليلاً إلى اليسار. وهى تمثل أشخاصًا بعينهم، ويجمع بينها نظرة واحدة تدل على الخلود.
وعن تسمية هذه الوجوه بـ"بورتريهات الفيوم" أكد الشورة أن ذلك يرجع إلى أن أكثر هذه البورتريهات عثر عليه فى الفيوم فبات يشار إليها فى أكثر الأحيان باسم "بورتريهات الفيوم مع أنها وُجدت فى مواقع أخرى، من سقارة شمالاً حتى أسوان جنوبًا، وهناك منطقة أخرى تنافس منطقة الفيوم من حيث عدد رسوم الشخوص وأنواعها، وهى منطقة أنتينوبولس (الشيخ عبادة)، وهى المدينة التى أنشأها الإمبراطور هادريان (117-138 ميلادية) عند زيارته لمصر عام 122 ميلادية تخليدًا لذكرى أحد أفراد حاشيته المقربين إليه، وكان يدعى أنتينوس الذى توفى فى أثناء رحلة الإمبراطور النيلية، واكتشف صورَ هذا الموقع الأثرى الفرنسى جان غاييه، وذلك بين عامى 1869 و1911.
ولفت الشورة إلى أنه تم اكتشاف مجموعة كبيرة من اللوحات فى الفيوم من خلال تاجر الآثار النمساوى تيودور جراف عام 1887، إذ جمع وحده ما يقرب من 300 لوحة من منطقة الروبيات شمال شرق الفيوم وهذه المجموعة موزعة حاليا على متاحف ومجموعات خاصة.
وأكد الشورة أنه يوجد حاليا أكثر من 750 لوحة محفوظة فى المتاحف العالمية، من بينها المتحف المصرى، ومجموعة ضخمة بمتحف المتروبوليتان بنيويورك، واللوفر بباريس والمتحف البريطانى بلندن ومتاحف أخرى أقل شأناً، وبالإضافة إلى المجموعات الخاصة للأفراد فى مصر وأنحاء العالم.
ولفت الشورة إلى الاختلاف الذى حدث فى تحديد هوية هذه الوجوه فالبعض أكد انها مصرية، وآخرون قالوا انها يونانية رومانية، وقال فريق ثالث إنها بيزنطية سابقة على الأيقونات فبرغم أن الأسماء المكتوبة على الوجوه يونانية، إلا أن التسريحات والملابس والحلى ذات طابع رومانى ممتزج بالفن المصرى.
وكل هذه الشواهد والدلائل تؤكد لنا انتماء هذه اللوحات إنما يعود إلى الفن الرومانى مع بعض التأثيرات المصرية انعكست على الزخارف والوحدات المرسومة والعناصر المتصلة بالديانة المصرية وقام بها فنانون من بين تلك الجاليات الرومانية التى استقرت فى جنوب الوادى استمراراً للتقاليد الإغريقية والرومانية العريقة التى كانت مصدراً أساسياً لفن تماثيل الشخاص وتسجيل الملامح والسمات الفردية بهدف إبراز حقيقة شاملة ومثالية تتجاوز حدود الفرد عند الإغريق ثم تطورت عند الرومان إلى تسجيل واقعى أمين لقسمات الوجه مع التأكيد على الفردية الخاصة بالشخص المرسوم من خلال الملاحظة الثاقبة كما يتضح فى وجوه الفيوم.
وأشار مدير عام آثار الفيوم إلى أن هذه الوجوه كما يؤكد خبراء الاثار يبدو أنها كانت ترسم فى حياة أصحابها ثم يحتفظ بها معلقة على جدران المساكن حتى الوفاة وترفع وتوضع داخل اللفائف على وجه المومياء وهذا لا يمنع أن يكون بعض الصور قد رسمت بعد وفاة أصحابها ثم وضعت على مومياواتهم وفى بعض الأحيان عثر على صور فى مقابر دون مومياوات مثل ما عثر عليه "فلندرز بترى" فى هوارة وبيهمو وأرسينوى "مدينة التمساح" وهذه الرسوم ظهرت للمرة الأولى فى النصف الأول من القرن الأول الميلادى، واكتشف "فلندرز بترى" فى حفائر هوارة شمال هرم امنمحات الثالث الكبير وموقع قصر التيه "اللابرنث" عددًا من هذه الرسوم ففى هذا المكان وهو من المراكز المهمة بمنطقة الفيوم كان سكان أرسينوى يدفنون موتاهم فقد كان الإغريق يعيشون ويدفنون موتاهم على ارتفاعات عالية على حدود الصحراء بعيدًا عن المياه التى يجلبها نهر النيل سنويا وقت الفيضان وقد كشفت التنقيبات عن 146 مومياء ذات رسوم شخوص "بورتريهات".