"لولا أنه عيد ميلادك لما كنت اتصلت بك اليوم. الحقيقة أننى غاضب منك وأنت تعرف أننى لا أحب أتصل بأحد وفى قلبى ذرة غضب".. هذه نص مكالمة هاتفية من الرئيس جمال عبد الناصر إلى محمد حسنين هيكل، يعبر فيه عن غضبه عما جرى خلال زيارته لمصطفى أمين بالسجن، يوم 23 سبتمبر 1968.
راح عبد الناصر يسأل هيكل، عن ما حدث فى السجن حين ذهب مع سعيد فريحة، الذى كان صديقا مقربا من مصطفى أمين، ولم ينتظر الرئيس الراحل إجابته، مستطردا: "أنا فى دهشة من أنك تركت مصطفى يستغلك إلى هذا الحد، يطوف بك السجن كله "ويهوش" الناس باعتبارك صديقى.. هل تريد أن تعرف أكثر من ذلك؟ إنه قال لبعضهم فى السجن أننى بعثت بك رسولا إليه تفاوضه فى الخروج على أساس استعمال اتصالاته فى الظروف الراهنة... هل يرضيك هذا؟".
وذكر عبد الناصر، لهيكل، خلال الاتصال أنه أبلغ شعراوى جمعة وزير الداخلية وقتها، أن يرفض أى طلب يتقدم به لزيارة مصطفى أمين:، قائلا له" لا تحرج نفسك معى ولا معى شعراوى"! ثم انتقل الرئيس الراحل خلال المكالمة بعدها لأسئلة ود ومحبة، وعن حال الأستاذ، وما ينوى فعله. لكن هيكل قال له معاتبًا:"وهل تركت لى مجالا للاحتفال بعيد ميلادى اليوم؟" فرد عبد الناصر ضاحكا: "تستاهل"!
فى كتابه "بين الصحافة والسياسة" - مصدر الرواية التى بين أيدينا- يتعرض هيكل، الذى تحل اليوم الذكرى الـ 94 لميلاده، لواحدة من أغرب القصص فى علاقة الصحافة بالسياسة فى مصر، وقصة حرب خفية بين شخصيات بارزة كان شاهدا على فصولها، ويتناول جزءا مهما بالوثائق فى قضية تجسس الصحفى مصطفى أمين.
بعد ثلاث سنوات من حبس مصطفى أمين، تحدث هيكل مع عبد الناصر مجددا ومعه فريحة عن قضية مصطفى وطلبا منه العفو عنه، دون جدال منهما فى خطورة ما نسب إليه، وقال هيكل للرئيس: بالنسبة لسياسي فإن العقوبة الحقيقة هى الإدانة لكن قضاء مدة العقوبة بأكملها نوعًا من الانتقام، لكن عبد الناصر أوضح: أن جريمته ليست سياسية بل وطنية. لكن فى نهاية اللقاء وعدهما بالإفراج عنه بعد إزالة آثار العدوان، كما أذن لهما بزيارته فى طرة.
استأذن هيكل وفريحة عبد الناصر، وذهبا إلى مصطفى أمين وكان هذا آخر لقاء لهيكل معه فى السجن قبل الاتصال الغاضب للرئيس الراحل بيومين، امتدت الزيارة لأكثر من ساعتين، واقتصرت على التجول داخل السجن. وذكر هيكل أن مصطفى أمين قدمهما إلى بعض زملائه.
كانت شكوك عبد الناصر موجودة قبل فترة من القبض على مصطفى أمين، وفى معرض حديثه عنه قال " إنه ينقل من هنا إلى هناك ومن هناك إلى هنا، لكن القضية الأساسية فى النهاية هى: لمن الولاء – لهنا أو هناك؟ وسبق أن طالب هيكل، بالتحفظ فى حديثه مع مصطفى أمين، كما رفض أن يقابله أثناء لقاء شقيقه على أمين قبل سفره إلى لندن، لكن هيكل رغم ذلك لم يتخل عنه وعن أسرته بعد حبسه، وكان يرى الدفاع عن مصطفى أمين واجبا أخلاقيا وإنسانيا ومهنيا.
يعتبر كثيرون قضية مصطفى أمين، بالغة التعقيد، كما أن هيكل قال فى كتابه، بعد أن سمع التسجيلات الصوتية، وقرأ خطاب مصطفى أمين الـ 60 صفحة الذى أرسله لعبد الناصر، عن لقاءاته مع رجال السفارة الأمريكية والموضوعات التى تحدث عنها وما ذكره على لسان الرئيس الراحل، وقصة الأموال التى كان يهربها، إن مصطفى أمين لأسباب ليست واضحة تورط فى خطأ مزعج.
لكن هيكل، اعتبر خطاب مصطفى أمين، الذى قال فيه إنه تعرض للتعذيب، وأن صلاح نصر رئيس المخابرات أوقع به، ووقوف الإسرائيليين وراء قضيته، بأنه "انعكاس لحالة اضطراب نفسى".
وخلال شهادة هيكل أمام المحكمة، كذب الأستاذ، مصطفى أمين بأنه أبلغه بتعرضه للتعذيب، كما كذبه محاميه الذى كان يدافع عنه- سرد تفاصيله فى كتابه "سنة أولى سجن"-، إلى أن ازداد الخلاف بين الأستاذ والشقيقين فى عهد أنور السادات بعد قرار الإفراج الصحى عن مصطفى أمين يناير 1974 وخروج هيكل من الأهرام.