رغم فوز المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بولاية رابعة متجهة إلى إكمال 16 عاما من حكم بلادها، إلا أن انتخابات هذا العام جاءت بمثابة زلزال سياسى كبير هدد بقوة حزبها الأكثر شعبية الاتحاد المسيحى الديمقراطى، الذى فقد 94 من مقاعده فى البرلمان الألمانى "البوندستاج".
وأسفرت النتائج عن دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان الألمانى لأول مرة منذ عام 1960، وتظهر الأرقام التى أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية فى ألمانيا، أمس الأحد، فقدان الأحزاب الكبرى مقاعدها لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى، الذى تأسس قبل أربع سنوات فقط ومعروف بعدائه للمسلمين والمهاجرين ورفضه للاتحاد الأوروبى، والذى اقتنص 88 مقعدا بنسبة 13% من مقاعد البوندستاج.
ورغم تصدره الانتخابات، إلا أن حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى CDU حصل على 33.5% مقابل 41.5% فى انتخابات 2013، حيث تراجع عدد مقاعده من 311 إلى 217، وهى أسوأ نتيجة له منذ عام 1949، وواجه الحزب الاشتراكى الديمقراطى SPD أيضا أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث فقد 56 مقعدا ليحصل على نسبة 21.6% مقابل 25.7% فى 2013.
ووصف جورج بازدرسكى، أحد مؤسسى حزب البديل من أجل ألمانيا، النتيجة بأنها بمثابة زلزال سياسى، متعهدا بما وصفه "استعادة ألمانيا من جديد"، وهو الشعار الذى يشبه ذلك الذى استخدمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية العام الماضى، مما يعكس تنامى التوجهات القومية داخل الدول الغربية.
تأسس حزب البديل من أجل ألمانيا AFD، عام 2013، على خلفية موقف مناهض للهجرة ومعارضته لقرار ميركل بفتح حدود البلاد لأكثر من مليون مهاجر، لا سيما أولئك الفارين من العنف والاضطهاد من الشرق الأوسط، ويقول معارضو الحزب إنه أثار الإسلاموفوبيا فى ألمانيا.
وبالنسبة لميركل، فإن فوز اليمين المتطرف يشكل تحديا كبيرا لها، وهو ما أقرت به عقب إعلان فوزها بولاية رابعة، قائلة "هناك تحد كبير جديد لنا وهو دخول البديل من أجل ألمانيا إلى البوندستاج.. نريد أن نستعيد تلك الأصوات التى ذهبت لهم".
وفى أعقاب إعلان النتائج جددت أليس فيديل، القيادية بالبديل من أجل ألمانيا وعدها لمؤيديها بالدعوة لإنشاء لجنة للتحقيق فى قرار ميركل السماح لأكثر من مليون لاجئ دخول ألمانيا وأضافت "الشعب منحنا الثقة وسوف نبقى على وعدنا"، وكانت فيديل قد أكدت مرارا ضرورة معاقبة ميركل على قراراتها حيال اللاجئين.
وتواجه ميركل تحديا آخر يتعلق بتشكيل الحكومة، وبغياب الأغلبية فى البرلمان فإنها تحتاج إلى بناء ائتلاف حاكم، غير أن الحزب الاشتراكى الديمقراطى، شريكها فى الحكم خلال السنوات الأربع الماضية، أعلن عودته لصفوف المعارضة ورفض المشاركة فى تشكيل الحكومة المقبلة، متعهدا بالعمل على إصلاح الأخطاء الماضية والتعرف على المشكلات التى أدت لخسارته الكثير من مؤيديه.
ولن يكون أمام المستشارة الألمانية سوى تشكيل ما يسمى بتحالف جامايكا، الذى يجمع حزبها الاتحاد المسيحى الديمقراطى مع حزب الأحرار الديمقراطيين، الليبرالى، FDPالحائز على 11% من مقاعد البرلمان وحزب الخضر الذى حظى بـ9%، غير أن هذا سيحتاج إلى جهد كبير بالنظر إلى الخلافات الواسعة بين الأحزاب الثلاثة فيما يتعلق بقضايا المراقبة، فضلا عن الخلافات الأيديولوجية بين الليبراليين والخضر وخلافاتهم بشأن قضايا البيئة والأعمال، وعلاوة على هذه الخلافات فإن حزب الخضر يقول إنه يفضل لعب دوره التقليدى كصوت المعارضة.
ومن المرجح أن تصبح ألمانيا، القوة الاقتصادية فى أوروبا، أكثر صعوبة فى الحكم، فضلا عن أنه من المنتظر أن تشهد الأسابيع المقلبة مفاوضات طويلة وصعبة بين ميركل والخضر، الذين يميلون لليسار، والأحرار الديمقراطيين أصحاب التوجهات الليبرالية فى الاقتصاد والأعمال، فائتلاف مثل هذا سيواجه صعوبة فى الاتفاق بشأن التحديات الكبرى التى تواجه بلادهم بدءا من الهجرة إلى صناعة السيارات التي ضربتها فضيحة الغش فى انبعاثات العادم إلى كيفية تحقيق الاستقرار فى منطقة اليورو.
وترى صحيفة وول ستريت جورنال صعود اليمين المتطرف فى واحدة من أكبر الديمقراطيات فى أوروبا يعكس الاتجاه السياسى السائد فى القارة العجوز منذ العام الماضى وهو انهيار الأحزاب الرئيسية فى مواجهة قلق الناخبين بشأن قضايا الاقتصاد والهوية.
فتفتيت أصوات الناخبين الألمان يعكس ما حدث فى انتخابات داخل بلدان أوروبية أخرى هذا العام مثل فرنسا وهولندا والنمسا، وتعكس الاضطرابات جزئيا تداعيات عقد من الزمان اتسم بالأزمات الاقتصادية والأمنية والهجرة التى شكلت اختبارا لتماسك الاتحاد الأوروبى، وترى الصحيفة أن الاتجاه المستقبلى للاتحاد الأوروبى ودوله الكبرى يمر الآن بمأزق فى سباق بين الدوليين والقوميين والمتمردين.
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
بيئة صحية نظيفة امنة للجميع بالعديد من اللغات المختلفة
بيئة صحية نظيفة امنة للجميع بالعديد من اللغات المختلفة