صراع طويل تخوضه تركيا مع حزب العمال الكردستانى منذ عقود، فى ضوء رؤية الحزب لحقه فى الاستقلال وتدشين دولة مستقلة، وقمع النظام التركى له ولقياداته وسجن بعضهم لسنوات طويلة، أبرزه زعيمه عبد الله أوجلان، ورغم ما أراقته أنقرة من دماء فى سبيل إجهاض هذه التطلعات، فوجئت الآن بتجددها بشكل يبعث على القلق، فرغم أن استفتاء انفصال كردستان عن العراق فى ظاهره لا يعنى تركيا بشكل مباشر، إلا أن أى قراءة منطقية تؤكد أن هذا الانفصال سيكون نواة لانفصال أكراد تركيا، إما بالاستقلال عن حكومة أنقرة وتدشين دولة خاصة بهم، أو بالانضمام لحكومة أربيل حال نجحت فى جهودها الانفصالية.
حتى وقت قريب، كانت الحكومة العراقية تتهم نظيرتها التركية بالتدخل فى شؤونها الداخلية، والدفع بقواتها العسكرية للتوغل شمالى العراق، بعدما أقدمت أنقرة بالفعل على إرسال أفواج عسكرية بنهاية 2011 لمعسكر "بعشيقة" على الحدود بين البلدين، بحجة تحرير المنطقة من قبضة تنظيم داعش الإرهابى.
الخطوة التركية التصعيدية أشعلت حرب تصريحات واتهامات متبادلة بين الطرفين، ودفعت رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى لإطلاق تحذير شديد اللهجة للمسؤولين الأتراك، يحثهم فيها على ضرورة سحب القوات "الغازية" من الأراضى العراقى، قائلا فى مؤتمر صحفى: "لدينا خشية من أن تكون هناك خطوة متهورة من جانب تركيا، نتمنى ألا تحصل، ليس خوفا منهم، بل خوفا من التداعيات".. ورغم هذا الموقف السابق ونوايا تركيا غير البريئة، التى أكدتها مواقف سابقة، يبدو أن خطوة استفتاء كردستان "المتهورة" حسبما وصفها سفير العراق بالقاهرة، سبب كافٍ لجمع شمل أعداء الأمس على طاولة واحدة، وهو ما حدث مؤخرا.
سفير العراق بالقاهرة: تعاون استخباراتى وأمنى مع تركيا لمواجهة انفصال كردستان
اتجاه إقليم كردستان ورئيسه مسعود بارزانى لتنظيم استفتاء للانفصال عن العراق خطوة أحادية الجانب، ويجمع المراقبون والمتابعون على أنه ستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها، ما دفع رئيس الأركان العراقى للتوجه لتركيا فى زيارة خاطفة لتنسيق المواقف بين البلدين، فى إطار المساعى المتواصلة لمواجهة خطر واحد يهددهما، يتمثل فى إقامة دولة كردية على الحدود بين البلدين، الأمر الذى قد يعقبه إقامة دويلات أخرى، أو على الأقل اتساع رقعة الدويلة الوليدة لتضم مناطق تركية وسورية وإيرانية.
حجم الخطر الذى يستشعره العراق والنظام الحاكم فى تركيا، كشفه السفير العراقى بالقاهرة، حبيب هادى الصدر، الذى تحدث اليوم بشكل صريح، ربما للمرة الأولى، عن تنسيق أمنى واستخباراتى بين العراق وتركيا، مبينًا أن هذا الاستفتاء وما قد يؤول إليه من انفصال إقليم كردستان، يجعل العراق مضطرا لتنسيق مواقفه مع شركائه فى المنطقة، مشيرًا إلى أن المناورات المشتركة بين البلدين على الحدود مع إقليم كردستان، تأتى فى سياق هذه الشراكة لتدارك هذا الخطر الذى ألمّ بالمنطقة جراء الخطوة المتهورة من قبل قيادة الإقليم.
الصدر: بارزانى قتل الديمقراطية طوال 26 سنة من حكمه لإقليم كردستان
وشن حبيب هادى الصدر، سفير العراق بالقاهرة، هجوما لاذعا على مسعود بارزانى، رئيس إقليم كردستان، مؤكدًا عدم وجود ديمقراطية فى الإقليم بسبب اعتلائه سدة الحكم منذ 1991، أى 26 سنة، وحتى الآن، رغم انتهاء ولايته منذ عامين، إلا أنه منع برلمان الإقليم لمدة 22 شهرا، ومنع رئيس البرلمان من الوصول للإقليم، وهدد عدد من الوزراء المنتمين لكتل كردية معارضة إن حاولوا الوصول إلى أربيل، متابعا: "حكم كردستان عائلى وليس ديمقراطيا".
وحول اتهامات "بارزانى" للحكومة العراقية بالطائفية، قال السفير العراقى بالقاهرة، فى لقاء عبر قناة "إكسترا نيوز"، إن تصريحات بارزانى حول طائفية الحكومة العراقية ليست دقيقة، ولا أساس لها من الصحة، لأن "بارزانى" يعلم جيدا أن هذه الحكومة ليست مذهبية، وهناك شراكة كاملة، فرئيس الجمهورية كردى، ولدينا وزراء وسفراء أكراد ويقاسموننا المناصب من أعلاها إلى أدناها، ولذلك فإن هذا الكلام غير صحيح.
أردوغان: الخيار العسكرى مطروح.. وإذا أصرت كردستان فلن تجد ما تأكله
وعن المناورات العسكرية بين الجيشين العراقى والتركى، قال "الصدر" فى تصريحاته إن رئيس أركان الجيش العراقى أجرى محادثات مع نظيره التركى فى أنقرة، ولليوم الثانى على التوالى استكملت قوات عراقية وتركيا مناوراتها الموسعة على الحدود المشتركة بين البلدين، فى تحذير واضح لأكراد العراق.
من جانبه، قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إن كل الخيارات مطروحة لفرض عقوبات على إدارة إقليم كردستان، بدءا من العقوبات الاقتصادية ووصولًا إلى الخيارات العسكرية، وما بينهما من إجراءات وتدابير أبرزها إغلاق المجال الجوى والمعابر الحدودية.
وأضاف "أردوغان" فى تصريحات نقلها التليفزيون التركى TRT، أن منطقة شمالى العراق تضم تنوعًا كبيرًا من الأعراق والمعتقدات، وإجراء الاستفتاء من قبل مجموعة معينة ليس سوى نذير لصراعات وآلام جديدة، متابعا: "عندما نبدأ فى فرض عقوباتنا، ونقطع تصديرهم للنفط، فالمسألة ستنتهى، لن تبقى بأيديهم أية مصادر للدخل، وحال توقفت الشاحنات عن التوجه إلى شمالى العراق، فلن يجدوا شيئًا يأكلونه ويلبسونه".