لم تمنع صرخات الأب وابنه الأعزلان خلف برميل أسمنتى، وهما يتوسلان بعدم إطلاق النار عليهما، قوات الاحتلال الإسرائيلى من إطلاق رصاصات الغدر، ليسقط الطفل شهيداً، والأب جريحا بينما يترسخ هذا المشهد المأساوى فى ذاكرة الأمة العربية، كشاهد ودليل على نضال الشعب الفلسطينى أمام وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية التى لا تعرف سوى القتل والدمار.
وتحل الذكرى الـ17 على استشهاد الطفل الفلسطينى محمد الدرة الذى كان يبلغ حينها 11 سنة عندما تلقى فى صدره عدة رصاصات أطلقتها قوات من الاحتلال الإسرائيلى، وهو فى حضن أبيه، خلال انتفاضة الأقصى التى اندلعت عقب زيارة رئيس وزراء إسرائيل أرائيل شارون للمسجد الأقصى.
وبعد تشييع جثمان الشهيد "محمد الدرة" فى جنازة شعبية تخلع القلوب، مجّد العالم العربى والإسلامى الشهيد، واندلعت مظاهرات فى العواصم العربية والإسلامية تندد بوحشية الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وبهدف امتصاص هذا الغضب الذى اجتاح العالم بعد عرض لقطات استشهاده والذى صورها الصحفى الفرنسى بقناة "فرانس 2" "شارل إندرلان" والذى يعمل بالأراضى المحتلة، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية تحمّلها المسؤولية، كما أبدت إسرائيل فى البداية، أسفها لمقتل الطفل، ولكنها تراجعت عن ذلك، عندما أشارت التحريات إلى أن الجيش الإسرائيلى ربما لم يطلق النيران على الدرة، وعلى الأرجح أن الفتى قتل برصاص القوات الفلسطينية.
وذكر 3 من كبار الصحفيين الفرنسيين الذين شاهدوا لقطات خام فى عام 2004، لمشهد استشهاد الطفل أنه لم يتضح من اللقطات وحدها أن الصبى لقى حتفه، وأن قناة "فرانس 24" صاحبة المشهد الحصرى لاستشهاده حذفت عدداً قليلاً من الثوانى الأخيرة، والتى يظهر فيها الصبى وهو يرفع يده عن وجهه.
وفى عام 2005، صرّح رئيس تحرير غرفة الأخبار بالقناة أنه لا يمكن لأحد أن يحدد على وجه اليقين من الذى أطلق النيران، فى حين زعم مدير مكتب الصحافة الحكومى الإسرائيلى أن المتظاهرين الفلسطينين نظموا هذا المشهد.
وبعد إجراءات قانونية مطولة، أُدين فيليب كارسنتى، المعلق الإعلامى الفرنسى، والذى علق على مشهد الاستشهاد واتهامه المباشر لقوات الاحتلال بالتشهير واتهامها بالتلاعب فى مادة الفيلم.
وأصدرت محكمة الاستئناف بفرنسا حكمها النهائى فى قضية التشهير بالقناة الفرنسية فى 26 يونيو 2013، حيث أدانت كارسنتى بالتشهير وألزمته محكمة الاستئناف فى باريس بدفع غرامة قيمتها 7.000 دولار.
وجاء الحكم النهائى للمحكمة الفرنسية برفض إصدار كارسنتى، الذى وصف فيه مقتل محمد الدرة بأنه عملية نظمها المتظاهرون الفلسطينيون.
ومن جانبه، ذكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، أحد المراكز الحقوقية العاملة فى الأراضى الفلسطينية، فى تحقيق أجراه، أن إسرائيل ارتكبت جريمة بشعة وغير مبررة بحق الدرة بشكل لا يدعو للشك، وأن كل أكاذيب الاحتلال تأتى ضمن محاولات طمس الحقيقة.
وأوضح المركز، أن كل البيانات المتوفرة لديه سبق وأن عرضها أمام لجنة تقصى الحقائق الدولية التى زارت قطاع غزة برئاسة البروفسور جون دوغارد وعضوية خمسة عشر خبيراً نهاية عام 2000.
كما دعت مؤسسات ناشطة فى مجال حقوق الإنسان أكثر من مرة إلى فتح تحقيق دولى محايد وشفاف فى جريمة اغتيال الطفل الدرة، بغية تقديم المجرمين الإسرائيليين للمحاكم الدولية.