قبل 106 أعوام من الآن، وبالتحديد فى عام 1911، قدم الرسام الأمريكى "وينسر مكاى" أول فيلم للرسوم المتحركة بعنوان "نيمو الصغير"، وكان خليطا بين مشاهد تمثيلية ومشاهد مرسومة، ومنذ ذلك اليوم وبعد مرور أكثر من قرن تطورت فيه صناعة سينما الرسوم المتحركة "الأنيميشن" فى العالم حتى وصلت إيراداتها لمئات الملايين من الدولارات فى العالم فى الفيلم الواحد، بقيت عندنا هذه الصناعة عند النقطة صفر، حيث لم تنتج مصر أى فيلم رسوم متحركة بالمعنى الاحترافى السينمائى، واكتفى صناع وجمهور السينما فى مصر على مدار 100 عام باستيراد الأفلام المنتجة بالخارج، ودبلجتها أو ترجمتها إلى المصرية، وعرضها فى السينمات والقنوات التليفزيونية لتستكمل سلسلة نجاحها فى كل الدول على اختلاف الثقافات واللغات، لكن ذلك النجاح لم يكن كافيا عند صناع السينما فى مصر لإقناعهم بأهمية تلك النوعية من الأفلام التى يطلق عليها "الفن الثامن".
رحلة صناعة أفلام الأنيميشن فى العالم من الهواة للربح بالمليارات
لم تكن صناعة أفلام الأنيميشن فى العالم بنفس الجودة والنجاح التى تظهر عليها الآن، وكانت بدايات إنتاجها مجرد اجتهادات عُرفت وقتها بـ "الرسوم الكارتوينة" لرسامين ومخرجين موهوبين حاولوا خلق طريقة جديدة للتعبير عن فنهم، عن طريق تتابع عدد من الصور والرسومات فى مشهد واحد، وكان من بينهم الأمريكى وينسور مكاى، وتبعه فى ذلك النهج عدد من الرسامين الذى طوروا أداء الرسومات المتحركة على مدار عدة سنوات واخترعوا عددا من الشخصيات الشهيرة مثل "القط فيليكس، كوكو البهلوان، البحار بوب آى"، وتطورت الأشكال والتصميمات والإخراج حتى خرج أول فيلم رسوم متحركة كامل مع ميلاد شركة "والت ديزنى" العملاقة فى عام 1923 بفيلمها الشهير "آليس فى بلاد العجائب" والذى حقق نجاحا باهرا، ثم أنتجت فى 1928 سلسلتها الشهيرة "ميكى ماوس".
فى ذلك التوقيت كان فن "الأنمى" التى تُمثل الترجمة اليابانية لـ"أنيميشن" أى الرسوم المتحركة، يولد فى اليابان ويتطور، حيث كانت المحاولات الأولى فى عام 1917 وتطورت بشكل أكبر فى الستينيات على يد الرسام اليابانى أوسامو تيزوكا وأخذت شهرة عالمية واسعة، وتوسعت صناعة أفلام الرسوم المتحركة حتى أصبحت تضم 430 ستوديو فى اليابان لصناعة أفلام الأنمى فقط، وتصدرت مبياعاتها أرقام السينمات والأسطوانات، حتى أن أعلى إيراد فيلم فى تاريخ السينما اليابانية – حسب تقارير فنية- كان فيلم الأنمى "المخطوفة".
وواصلت أفلام الأنيميشن فى العالم تطورها فى استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنتقل تلك النوعية من الأفلام من مرحلة تتابع الصور المرسومة فى مشهد واحد، إلى مرحلة تحريك الرسوم والشخصيات ذاتها، من خلال برامج وأجهزة تطورت مع دخول الحاسوب وتطبيقاته وتأثيراته عالم صناعة السينما، ودخل جانب آخر من الدمج بين الأفلام العادية والأنيميشن بأن يضم الفيلم بطلا بشريا يرافقه بطلا آخر لشخصية كارتونية، وقد حققت أيضا تلك النوعية من الأفلام نجاحات كبيرة فى العالم، وليس ادل على ذلك من فيلم "أفاتار" الذى يعد أحد أعلى الأفلام تكلفة إنتاجية فى تاريخ السينما بتكلفة 230 مليون دولار، كما أنه أعلى إيراد سينمائى فى تاريخ السينما محققا 2.7 مليار دولار، هذا إضافة إلى النجاحات التى حققتها أفلام الأنيميشن الكاملة حتى أن قوائم أعلى الإيرادات الموسمية لاتكاد تخلو من فيلم أنيميشن، حتى أن قائمة أعلى 20 فيلما من حيث الإيرادات فى تاريخ السينما التى صدرت فى 2013، ضمت 3 أفلام رسوم متحركة وهم "فروزين" و"توى ستورى 3" و" مينيونز".
على الجانب الآخر من هذا العالم كانت مصر تنتج أول تجاربها السينمائية عام 1932، باسم "برسوم يبحث عن وظيفة"، وهو فيلم روائى كوميدى قصير، وكان أول فيلم يصور فى إفريقيا كلها، واعتمد فى تصويره على تتابع عدة صور ملتقطة لأبطاله، إلا أن تاريخ السينما المصرية منذ ذلك الفيلم حتى الآن لم يشهد محاولة احترافية واحدة لإنتاج فيلم رسوم متحركة سينمائى روائى، باستثناء استخدام بعض أشكال ذلك الفن فى تترات مسلسلات وأفلام، أو إنتاج حلقات تليفزيونية كان أشهرها مسلسل بكار الذى حقق شهرة ونجاحا كبيرا منذ إنتاجه فى 1990 حاملا اسم اول شخصية كرتونية مصرية، وغنى أغنية تتره الشهيرة المطرب محمد منير.
وتبقى السينمات المصرية مجرد مستقبلا للأفلام الأجنبية الناجحة، والتى يعرض منها حاليا فى مصر على سبيل المثال فيلم The Emoji Movieالذى حقق فى مصر أكثر 56 ألف دولار أمريكى، وهو يعرض فى أكثر من 4075 دار عرض سينمائية حول العالم، والمفاجأة أن ذلك الفيلم الذى يقوم ببطولته عدد من النجوم العالميين من عدد من الدول، يشارك فيه النجم المصرى أحمد حلمى فى نسخته المدبلجة، قائما بدور أحد شخصيات "الإيموشنز" داخل الفيلم.
كما يواصل فيلم الأنيميشن الكوميدى Leap نجاحه أيضا فى 4535 دور عرض سينمائية حول العالم، محققا 90 مليون دولار أمريكى إيرادا خلال أسبوعه الأول فقط، فى حين حقق فيلم الأنيميشن الكوميدى The Nut Job 2 إيرادات جيدة أيضا حاصدًا 26 مليون دولار أمريكى، خلال 3 أسابيع من عرضه فى 4003 درر عرض سينمائية حول العالم.
الترجمة والدبلجة البديل الجاهز لإنتاج أفلام أنيميشن مصرية
وعلى مدار ذلك التاريخ السينمائى اقتصر دور صناع السينما والدراما فى مصر على استيراد أفلام الرسوم المتحركة المنتجة بالخارج وترجمتها إلى العربية وعرضها بالسينمات والقنوات المصرية، لتضيف إلى نجاح تلك الأفلام نجاحا أكبر، أو أن تقوم الشركات بدبلجتها بلهجة مصرية وبأصوات نجوم كبار مثل محمد هنيدى الذى رحب بشدة بقرار شركة والت ديزنى الأخير بإعادة دبلجة أعمالها باللهجة المصرية، وكتب على صفحته على فيسبوك أن ذلك يحمسه لاستكمال حلقات فيلم الأنيميشن الشهير"شركة المرعبين المحدودة" .
طارق الشناوى: لن نرى أنيميشن مصرى طالما أن المنتجين ينظرون تحت أقدامهم
ومن جانبه قال الناقد الفنى طارق الشناوى إن مصر تأخرت كثيرا فى ذلك المجال، ورغم أنها كانت تمتلك فى التسعينيات مشروع فيلم أنيميشن يجمع بين فنان رسوم متحركة موهوب يدعى محمد حكيم وبين المخرج بشير الديك إلا أن هذا المشروع لم يظهر للنور رغم تصويرهم نصف ساعة منه، مؤكدا أن الإمكانيات والتقنيات عائق كبير فى طريق إنتاج أول فيلم رسوم متحركة مصرى، مطالبا الدولة من خلال المركز القومى للسينما بإنعاش هذا المجال.
وأشار الشناوى إلى أن المنتجين عادة ينظرون تحت أقدامهم ولا يوجد منتج مصرى مغامر يحاول أن يقفز فوق المألوف، موضحا أن مصر تملك المواهب والقدرات الشخصية القادرة على تقديم ذلك النوع، منهم المخرج الراحل فهمى عبد الحميد الذى كان مؤهلا لتقديم تلك النوعية من الأفلام.
ماجدة خير الله: الأنيميشن مقامرة والسينما المصرية تفضل البطل الحقيقى
فيما أرجعت الناقدة الفنية ماجدة خير الله عدم وجود مصر على خريطة الأفلام الكرتونية والرسوم المتحركة بأنها تحتاج لإنتاج ضخم وإبداع من نوع خاص، فى حين أن المنتج المصرى يستسهل تقديم أفلام النجوم والأبطال، رغم أن تلك الأفلام فى العالم كله تحصل على إيرادات ضخمة.
وأضافت ماجدة خير الله أن الأزمة أيضا فى أن هناك تخوفا من أن تلك الأفلام لا تستطيع تحقيق تكلفتها بسبب ضعف نسب المشاهدة فى مصر وقلة عدد دور العرض فى المحافظات، واقتصار وجودها على القاهرة وبعض المدن فقط، مشيرة إلى أنه ليس هناك منتجا يستطيع أن يخوض تلك المقامرة والمغامرة غير المضمونة.
وأكدت أن نجاح مسلسل مثل "بكار" كان السبب أن القنوات اشترته من قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى الذى دعم إنتاجه وتحمله، مشيرة إلى أن جودة العمل أو قوته لن تكون مؤشر لتحقيق إيرادات والدليل أن هناك أعمالا سينمائية جيدة جدا ولا تحقق إيرادات.
المنتج محمد العدل: الأزمة فى ضخامة التكاليف والحاجة إلى إنتاج وتسويق متخصص
ورد المنتج محمد العدل على سبب غياب مصر عن سوق سينما الأنيميشن بعدم توافر المال الكافى لتغطية تكلفته الإنتاجية الضخمة، إضافة إلى أن هذا النوع من الأفلام يحتاج لمنتِج متخصص لديه خبرة ودراية بأساليب هذا النوع من الأفلام وطرق عرضها وتسويقها، مشيرا إلى أن الاهتمام بالدبلجة إلى اللهجة المصرية سببه أنها كانت تمثل ميزة نسبية وقوة ناعمة لمصر.
وأكد العدل أنه يتمنى إنتاج أفلام أنيميشن، مرجعا صعوبة ذلك لاحتياجها استعدادا مختلفا لا يظن أنه متوافر حاليا، مشيرا إلى أن المنتجين فى مصر حاليا أقصى طموحهم أن يقدموا عملا فنيا جيدا لا يسبب خسارة، وليس أن يحقق مكاسب، لذلك يصعب إنتاج هذا النوع من الأفلام حاليا.
وجدير بالذكر أن المعهد العالى للسينما يضم بين أحد أقسامه منذ نشأته قسما خاصا بالرسوم المتحركة، ورغم تراجع نسب اختياره من الدارسين إلا أنه ما زال يقدم دفعات من الشباب الموهوبين فى مجال الرسوم المتحركة والأنيميشن، إلا أن ظروف غياب الصناعة فى مصر جعل أغلبهم يلجأ للعمل بالإعلانات وبتترات الأفلام والمسلسلات التى تستخدم الرسوم المتحركة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة