"100 يوم من الحكم"، هو مصطلح سياسى ذاع صيته خلال الآونة الأخيرة مع تغير قادة العالم بشكل متتالى من خلال انتخابات عامة ديمقراطية، سواء على منصب الرئاسة، فى البلاد المحكومة بنظام جمهورى، أو المنصب الأعلى فى الدول الملكية والإمبراطورية، وهو منصب "رئيس الوزراء"، والـ 100 يوم الأولى للحكم، استخدمت فى العصر الحديث، كجهاز ريختر لقياس قوة الزلازل، ولكن مصطلحنا هذا يستخدم لقياس مدى قوة المرشح الفائز بالحكم، ومدى وفائه بوعوده الانتخابية.
وفى ظل حالة التنافس القوية مؤخرًا على المناصب القيادية حول العالم، وتقارب النتائج النهائية بين المتنافسين فى الانتخابات، نجد القيمة الحقيقية لجهاز قياس الأداء الجديد "أول 100 يوم فى الحكم"، فالمصطلح السياسى الأبرز، لم يعد فقط مانشيت يتصدر الصفحات الرئيسية للصحف العالمية، ومواقع الأخبار الإلكترونية، بل تحول إلى "تريند" على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، تتابع وتقيم من خلاله الشعوب أداء رؤسائها، وترصد درجات نجاحه أو فشله فى إدخال الإصلاحات المطلوبة للنهوض بالأمة وتحقيق ازدهارها.
وفى تطبيق عملى، لقياس قوة زعماء أكبر دول العالم المنتخبين مؤخرًا - والذين يصح فى حالتهم أن يسموا بزعماء العالم – نجد أنفسنا أمام 4 دول عظمى، لزعمائها ونجاحهم تأثيرًا عالميًا وليس على الشأن الداخلى لبلادهم فقط، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأسها دونالد ترامب، الرئيس الـ 45 فى البيت الأبيض، وفى قصر الإليزيه، نجد "إيمانويل ماكرون"، على رأس الجمهورية الفرنسية، وكذلك رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماى، وجميعهم منتخبين حديثًا فى مناصبهم، أما الدولة الأخيرة، فهى الجمهورية الألمانية، التى تنتظر انتخابات على منصب المستشارية، وتمثل فيها المستشارة الحالية أنجيلا ميركل، المرشح الأقوى، أمام منافسها مارتن شولتز.
زعماء فرنسا وأمريكا وألمانيا وبريطانيا
اخفاقات دبلوماسية فى بداية عهد دونالد ترامب
أداتنا الحديثة لقياس قوة زعماء العالم، تكشف لنا ثغرات عديدة فى أداء حكام تلك البلاد، ما يجعل مصطلح "أول 100 يوم على الحكم"، بمثابة نكسة فى تاريخ حياتهم السياسية، ففى حالة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الذى تجاوز 200 يوم على توليه رئاسة الولايات المتحدة، نجده فشل منذ الأيام الأولى له فى البيت الأبيض، على صعيد الإدارة الداخلية، وكذلك فى العلاقات الدبلوماسية الخارجية التى توترت مع العديد من البلدان.
فرغم تعهد "ترامب"، خلال حملته الانتخابية فى 2016، وفى أول أيام رئاسته، بالعمل على تحسين العلاقات مع الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، إلا أن علاقات الدولتين النوويتين، شهدت توترًا كبيرًا وسط تخفيض متبادل للبعثات الدبلوماسية، وفرض عقوبات أمريكية على موسكو، فى إطار توجيه اتهامات للجمهورية الاتحادية، بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وقرصنتها، بهدف حسم نتائجها لصالح "ترامب"، وكذلك عدم استقرار علاقات واشنطن مع جارتيها، كندا، والمكسيك، بسبب الخلافات على اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة "نافتا"، وتهديده لكلا البلدين، وكذلك الهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات، حيث عزم "ترامب"، على بناء جدار على حدود بلاده تعزله عن الدول المجاورة، وكل هذه التوترات تعتبر نكسة دبلوماسية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
"ترامب" يخسر رجاله فى البيت الأبيض
الأزمة الروسية، لم يكن مردودها السلبى، على حساب توتر العلاقات الدبلوماسية فقط، بل ضربت الداخل الأمريكى أيضًا، فكانت أحد الأسباب القوية، لتسرب عدد كبير من رجال "ترامب"، فى البيت الأبيض، سواء بالاستقالة أو الإقالة، وخضوع آخرين للتحقيق، بتهم التورط فى اتصالات مع روسيا، فى قضية التدخل بالانتخابات الرئاسية، ليس هذا فقط بل تعددت الأسباب لخروج 13 مسئولًا من البيت الأبيض خلال 7 أشهر من ولاية ترامب، وكان هذا اخفاقًا أخر للرئيس الأمريكى.
ولم يكن هذا الفشل الوحيد لـ"ترامب"، على المستوى الداخلى، فبالرجوع لوعوده الانتخابية، نجد الرئيس الأمريكى، حنث وعوده لشعبه، ومنها تغير موقفه من مغادرة حلف الناتو، وتهدئة لهجته الهجومية ضد الصين، بشأن اتهامه "بكين" بالتلاعب بأسعار صرف عملتها، وكذلك عدوله عن إلغاء الاتفاق النووى مع إيران، إضافة إلى عدم وفائه بوعده، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وأخيرًا، توعده بمقاضاة منافسته فى الانتخابات الرئاسية، هيلارى كلينتون، والزج بها فى السجن.
دونالد ترامب وبرفقته ماكرون وتيريزا ماى
انخفاض أسهم "ماكرون" فى الشارع الفرنسى
وبالانتقال إلى "الإليزيه"، يظهر تحولًا كبيرًا فى حالة الرضا والتأييد لدى الشعب الفرنسى، تجاه رئيسهم الشاب إيمانويل ماكرون، الذى حقق انتصارا ساحقا فى الانتخابات الرئاسية، قبل أقل من أربعة أشهر، فبعد مرور تلك المدة القصيرة على رئاسته للجمهورية الفرنسية، أظهر أخر استطلاع رأى، أجرى نهاية أغسطس الماضى، أن معدل عدم الرضا عن "ماكرون"، وصل إلى 57%، وهو أسوأ بواقع 14 نقطة مئوية من الاستطلاع الأخير الذى أجرى فى الشهر الذى سبقه.
ويرجع سبب تراجع شعبية "ماكرون"، لفشله منذ انتخابه فى تحقيق وعوده بإجراء إصلاحات قوانين العمل، ومواجهته مع رئيس هيئة أركان الجيش الفرنسى، التى انتهت باستقالة الأخير، بسبب إصرار الرئيس الفرنسى، على خفض ميزانية الدفاع، وكذلك رغبته فى تقليص معونات الإسكان، هذا إلى جانب إثارته لغضب الفرنسيين، بعد تصريحه بأن "الشعب الفرنسى لا يحب الإصلاحات، ويجب أن تشرح له أهمية هذه الإصلاحات"، وهو ما اعتبره كثيرين اتهام للشعب بالجهل، وأخيرًا حالة الجدل التى ثارت حول نفقات "ماكرون"، على مستحضرات التجميل التى كلفت الإليزيه، حوالى 26 ألف يورو خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون
"بريكست" مسمار فى نعش حكومة "تيريزا ماى"
وفى العقار رقم 10 بـ"داوننج ستريت"، فى قلب العاصمة البريطانية، لندن، حيث مقر رئاسة وزراء المملكة المتحدة، نرصد اخفاقًا جديدًا لزعيمة دولة كبرى، هى "تيريزا ماى"، رئيسة وزراء بريطانيا، التى تكمل الـ 100 يوم الأولى، لتوليها منصبها، خلال شهر سبتمبر الجارى، عقب نجاحها فى تشكيل الحكومة الجديدة بعد فوزها فى الانتخابات العامة التى أجريت 8 يونيو الماضى، وأولى اخفاقاتها أنها شكلت حكومة أقلية بالتحالف مع الحزب الديمقراطى الوحدوى الأيرلندى، بسبب خسارة حزب المحافظين - الذى تترأسه "ماى" - الأغلبية فى مجلس العموم.
و"تيريز ماى"، تواجه أزمة كبيرة منذ رئاستها للحكومة السابقة، تتمثل فى قانون "بريكست"، الذى بموجبه تخرج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبى، وهذا القانون بمثابة صداع فى رأس رئيسة وزراء بريطانيا، حيث تواجه انتقادات كبيرة فى الداخل البريطانى، دون أن تصل إلى إنجاز كبير لتنفيذ القانون، وذلك بسبب الأضرار التى ستلحق بالمملكة المتحدة، وعلى رأسها مطالبة بروكسل، من لندن تحمل فاتورة خروجها من الاتحاد، والتى تبلغ قيمتها 100 مليار يوور، أى ما يساوى 84.5 مليار جنيه استرلينى، وهو الأمر الذى ترفضه حكومة "ماى"، وتقول أنها لن تدفع سوى 40 مليار يورو، هذا إلى جانب، مغادرة أكثر من 100 ألف بريطانى بلادهم بسبب تضررهم من القانون.
وتمتد أزمات "تيريزا ماى"، بسبب قانون "بريكست"، إلى أجزاء أخرى على امتداد الأراضى المملكة المتحدة، حيث تعالت دعوات رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستيرجن، فى الآونة الأخيرة، لإجراء استفتاء جديد بشأن الاستقلال عن بريطانيا، فى نهاية عملية خروجها من الاتحاد الأوروبى، حيث تفضل اسكتلندا البقاء فى عضوية الاتحاد.
رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى
تحديات "ميركل" تنبأ بنفس المصير حال فوزها
وأخيرًا، ننتقل إلى برلين، التى هى على موعد مع إجراء انتخابات لمنصب المستشارية الألمانية، ويتنافس عليه المستشارة الحالية، أنجيلا ميركل، ومرشح الحزب الاشتراكى الديمقراطى، مارتن شولتز، رئيس الرئيس السابق للبرلمان الأوروبى، إلا أن "ميركل"، مازالت هى المنافس الأقوى والأقرب للفوز بالمنصب.
و"ميركل" التى تسعى للفوز بولايتها الرابعة فى منصب المستشارية، أطلقت العديد من الوعود خلال حملتها الانتخابية، مما يجعلها أمام تحديات كبيرة تنبأ بأن تؤدى بها إلى نفس مصير سابقيها فى الدول سالفة الذكر، من الفشل، فنجد المستشار الألمانية، وعدت بأن تحسن الأوضاع المالية والأمن، وأنها لن أتخلى عن اللاجئين، كما أنها ستسمح للاجئ الحائز على صفة حماية كاملة باستقدام والديه وأطفاله، وقبل أن تجرى الانتخابات أو تفوز بها "ميركل"، ظهرت أولى العقبات، التى تمثلت فى تقديم 1000 شكوى جنائية تتهم المستشارة بالخيانة منذ 2015، أغلبها مقدمة من أنصار حزب البديل لألمانيا اليمينى الشعبوى، المناهض لدخول اللاجئين بلادهم، وذلك بسبب قرارها الذى سمح لأكثر من مليون طالب لجوء دخول ألمانيا، فى 2015 و2016، الأمر الذى نتج عنه تدهور شعبية حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى الذى تتزعمه ميركل.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
والعقبة الأخرى، أو الملف الذى ستواجه فيه "ميركل"، فشلًا جليًا، هو ملف العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من قبل الاتحاد الأوروبى، حيث تطرقت فى تصريحاتها أن رفع العقوبات الأوروبية عن موسكو يصب فى مصلحة ألمانيا وروسيا، كما تعهدت بأنها ستدعم هذا الاتجاه داخل الاتحاد، عن طريق بذل قصارى جهدها لتطبيق "اتفاق مينسك"، الذى بموجبه ترفع العقوبات حال استعادة أوكرانيا السيطرة على دونباس، ومنطقتى لوهانسك ودونيتسك، حيث لا تملك "كييف" السيادة على أراضيها فى تلك المنطقة التى تدعمها روسيا على الانفصال.