لم يصدق الدكتور محمد حسين هيكل باشا، رئيس تحرير جريدة «السياسة» وأحد أقطاب حزب «الأحرار الدستوريين»، اتصالا جرى معه وهو فى الإسكندرية يبلغه بإقالة رئيس الحزب عبدالعزيز باشا فهمى وزير الحقانية «العدل» من منصبه لعدم تنفيذه قرار هيئة كبار العلماء بطرد الشيخ على عبدالرازق من زمرة العلماء، وحسبما يذكر فى الجزء الأول من مذكراته الصادرة عن «دار المعارف - القاهرة»، لما قرأ الخبر فى ملحق تم طباعته مخصوصا لجريدة «الاتحاد» يوم 5 سبتمبر عام 1925، شعر بالغضب، ويضيف: «لم أطق حين أتممت قراءة الخبر صبرا»، مشيرا إلى أنه انشغل بسؤال: «ماذا فعل الوزيران الدستوريان محمد على علوبة باشا، وزير الأوقاف، وتوفيق دوس باشا، وزير الزراعة، وقد خرج رئيس الحزب من الوزارة على هذا النحو المزرى بالحزب كله؟»، ويوضح «هيكل باشا» أنه أجرى اتصالات ليعقد الحزب اجتماعا عاجلا يوم الأحد «اليوم التالى للإقالة»، لكن تم الاتفاق على يوم الثلاثاء.
حتى موعد الاجتماع «لم يكن للناس حديث إلا التكهن بما عسى أن يكون قرار الأحرار الدستوريين فى اجتماعهم، ويتحدث «هيكل باشا» صراحة عن تدخل سلطة الاحتلال البريطانى فى الموضوع: «اتجه تفكير الوزير البريطانى نيفل هندرسون القائم بأعمال المندوب السامى إلى إيجاد حل يكفل بقاء النظام القائم فى مصر، أى بقاء الوزارة مؤلفة من الأحرار الدستوريين ومن الاتحاديين»، وكثرت الاتصالات بين «نيفل» وحسن نشأت وتوفيق دوس «من قيادات الحزب» ابتغاء الوصول إلى حل».
فى هذه الأجواء عقد مجلس إدارة «الأحرار الدستوريين» اجتماعه يوم 8 سبتمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1925 بمقر الحزب فى «المبتديان»، وطبقا لهيكل باشا: «تولى سماحة السيد عبدالحميد البكرى رياسة هذا الاجتماع الذى دام ثلاث ساعات ونصف ساعة، وبدأ توفيق دوس باشا يعرض ما حدث، ويذكر ما دار بينه وبين رجال القصر، وما دار بينه وبين مستر نيفل هندرسون المندوب السامى بالنيابة من أحاديث يراد بها تخطى هذه الموقف الدقيق، واستغرق عرضه لهذا كله ما يزيد على ساعة ونصف الساعة، وتكلم بعده علوبة باشا كلاما موجزا فى الاتجاه نفسه، فلما فرغ الوزيران من عرض ما كان، تكلم الأستاذ محمد عبدالجليل أبوسمرة، فطلب إلى الهيئة أن تتخذ القرارات التى كنا اتفقنا عليها، وتلا هذه القرارات وفى مقدمتها استقالة الوزيرين الدستوريين، وتخلى الحزب عن الاشتراك فى الوزارة».
يذكر هيكل باشا كيف تابع عبدالعزيز فهمى باشا الاجتماع: «بينما كانت جلسة الحزب معقودة بداره بشارع المبتديان، كان عبدالعزيز فهمى باشا قد جاء من مصر الجديدة إلى فندق الكونتننتال، وجلس فى شرفة الفندق منتظرا نتيجة الاجتماع، وبعث من الجالسين معه من سأل غير مرة بالتليفون عما إذا كانت الجلسة قد انتهت، فلما انتهت إلى القرارات التى قد أخبرته بها ساعة مجيئه بعد الظهر من الإسكندرية، اطمأن وعاد لمنزله مستريحا إلى أن الحزب انتصف لكرامته».
ينقل أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية- الحولية الثانية 1925» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، البيان الذى نشرته جريدة السياسة لسان حال «الأحرار الدستوريين» فى عددها الصادر يوم 9 سبتمبر عن الاجتماع، مشيرا إلى أن الذين شاركوا هم، مجلس إدارة الحزب، وبعض أعضاء مجلس النواب السابق من الدستوريين، وأن هناك اعتذارات بالبريد أو التلغراف، ونشر البيان أسماء الذين حضروا، ثم قال: «استمر الاجتماع من الساعة السادسة بعد الظهر إلى الساعة العاشرة والنصف، وقد عرض أثناءه محمد علوبة باشا وتوفيق دوس باشا ماتم من صباح يوم السبت الماضى «5 سبتمبر» إلى اليوم وتناقش الأعضاء فيه، ثم صدر القرار الآتى بإجماع الحاضرين:
أولا: الثقة التامة برئيسه سعادة عبدالعزيز باشا فهمى وبزميليه صاحب السعادة محمد على علوبة باشا وتوفيق دوس باشا وتأييدهم. ثانيا: الاحتجاج على التصرف المخالف للدستور والتقاليد السياسية بإقالة رئيس الحزب من الوزارة. ثالثا: استنكار ما يروجه خصوم الحزب من أن هذا التصرف المخالف للدستور منشأه مسألة دينية، والتصريح بأن حزب الأحرار الدستوريين يحافظ أشد المحافظة على الإسلام دين الدولة. رابعا: عدم التعاون مع الحكومة الحاضرة واستقالة الوزراء الأحرار الدستوريين. خامسا: طلب بيانا تفصيليا يضعه وزراء الأحرار الدستوريين عن التصرفات، التى تمت أثناء وجودهم فى الوزارة وموقفهم إزاءها وما قاموا به لخدمة البلاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة