شهدت أواخر ثمانينيات القرن الماضى بزوغ نجم عدد من الأصوات النسائية العربية التى تمكنت فى فترة قصيرة من لفت أنظار الجمهور إليها، لما قدمنه من شكل جديد للأغنية اختلف فى ألحانه وكلماته عما كان يقدم فى عهد عمالقة الغناء كأم كلثوم وفايزة احمد وورده وغيرهن من الفنانات.
إلى جانب "أنغام" التى سبقت الجميع فى احترافها الغناء وهى صغيرة وحجزت مكانًا انفردت به حتى الآن فى عالم الفن، بزغ نجم فنانات مثل منى عبد الغنى وحنان ولطيفة اللاتى تمكن من حفر أسمائهن فى ذاكرة جمهور تلك الحقبة من شباب لكن لكل واحدة منهن أسلوبها، فامتازت حنان برقتها ونعومتها فكانت كلمات أغنياتها وألحانها تليق مع ذاك الصوت الرقيق الذى تمتلكه الذى افتقده الجمهور باعتزالها لزواجها وسفرها لألمانيا، أما منى عبد الغنى فكان صوتها أكثر جرأه من حنان ساعدها فيه طبيعة شخصيتها المرحة المحبة للتجربة والمغامرة جعلتها تنطلق نحو التمثيل فى المسرح وأيضًا الدراما، إلى أن قررت اعتزال الغناء نتيجة لوفاة شقيقها.
أما لطيفة فما أن وصلت القاهرة برفقة الشاعر عبد الوهاب محمد قادمة من تونس حتى بزغ نجمها وبدأ يلمع فى شهور قليلة حتى أصبحت واحدة من أهم الأصوات النسائية التى تغنى فى مصر، ومع كل ألبوم كانت تقوم بطرحه فى الأسواق حاملاً كلمات عبد الوهاب محمد وألحان أهم ملحنى تلك الفترة وعلى رأسهم عمار الشريعى كانت تحقق النجاح أكثر من مثيلاتها، على الرغم من أن جميعهن دارسات للموسيقى وتخصصن فيما يقدمنه، إلا أن الاستمرارية والنجاح كانت من نصيب لطيفة، لما قدمته أيضًا من تنوع فى أغنياتها التى كانت تنتقيها لتصويرها، فكانت أول من استخدم تقنية السينما فى هذا المجال، وهذا جعل جمهورها ينسى تماما كونها فنانة جاءت من تونس الشقيقة مثلما حدث فى السابق مع كثير من الفنانات اللاتى جئن إلى مصر مثل نجاح سلام ونور الهدى وصباح وسميرة سعيد وغيرهن الكثير.
لطيفة في صغرها
لطيفة في الحفل الذي بكت فيه
لطيفة عند حصولها على الدكتوراه
لكن في عام 1996 كانت بداية الأزمة لهذا الصوت القوي والمميز، فكانت وفاة الشاعر عبد الوهاب محمد وكانت كلمات ألبوم "ماوحشتكش" آخر ما كتبه لها قبل وفاته، والذي قام بوضع ألحانه كاملاً الفنان كاظم الساهر، والذي كان أيضًا جزءًا من الأزمة بعد شائعات عن علاقة زواج ربطت بينهما والتي أكدها البعض بعدها نتيجة للوعكة الصحية الكبيرة التي تعرضت لها لطيفة وسفرها لفرنسا للعلاج ومكوثها هناك لفترة طويله، لتعود بعد هذا الغياب وتقدم حفلها في "ليالي التليفزيون" عام 2000 وتغني أغنية "كرهتك" فلا تتمالك دموعها أمام الكاميرات التي صورت الحفل، فتفسح المجال أكثر لتأكيد الشائعات التي مهما حاولت نفيها لسنوات طويلة إلا أن الجمهور لم يقنع بهذا النفي يومًا.
لطيفة والموسيقار محمد عبد الوهاب
لطيفة وبليغ حمدي
لطيفة وعبد الوهاب محمد مع صورة بليغ حمدي
لطيفة وكاظم الساهر في الاستديو
لطيفة وكاظم الساهر
الأزمة الحقيقية فى تلك الشعلة التى أضاء وهجها لسنوات وكان حينها لا يمكن لأى صوت نسائى جديد من منافستها، بل إنها حجزت لها مقعدًا بين النجمات الكبار، أنها فقدت الروح التنافسية بوفاة الشاعر عبد الوهاب محمد، فأضحت تعمل وتجتهد فى إنتاج الألبومات التى حملت لهجات كثيرة بخلاف المصرية، فغنت باللهجة الخليجية واللبنانية وأيضًا بلهجتها الأم التونسية، وتعاونت مع أهم ملحنى الوطن العربى وعلى رأسهم زياد الرحباني، وكتبت شهادة ميلادها فى عالم التمثيل على يد أهم مخرجى السينما يوسف شاهين بفيلم "سكوت هنصور"، غنت من ألحان عمر خيرت "تعرف تتكلم بلدي" التى أعادتها للساحة بقوة، لتكون إشارة قوية على أهمية أن يكون وراء هذا الصوت القوى والجميل خبرة فنية كالتى أطلقتها المتمثلة فى الشاعر عبد الوهاب محمد وأعقبها شاهين وخيرت ليساعدها فى انتقاء الكلمات والألحان التى تبرز جمال صوتها النقى والقوي، ويرتب ويمهد له الطريق للثبات على النجاح، فمجاراة التطور والتغيير الهائل فى الألحان وانتقاء كلمات خفيفة، لتتوجها بـ"نيولوك" يواكب ما تقدمه سواء فى الشعر أو الملابس أو المكياج، غير كافٍ للمحافظة على النجاح، فحتى "كلمة سر" وهو اسم مسلسلها الذى أطلت به فى رمضان الماضى على جمهورها وعادت به للتمثيل من جديد بعد غياب سنوات، وعلى الرغم من تكاليف انتاجه الباهظة لكنه لم يحصد المشاهدة المطلوبة.
لطيفة صوت قوى ونقى يملك الكثير من الإمكانيات لكنه يحتاج للوقوف للحظة مع ذاته للابتعاد عن ذاك التشتت فى الرغبة بترك بصمة فى كل المجالات أولاً التى تجعلها تفقد المسار، وانتقاء الخبرة التى يمكنها الاستعانة بها للعودة للطريق الذى بدأته، وغير المقصود بذلك إدارة الأعمال فهما شيئان مختلفان عن بعضهما البعض، وثالثًا استعادة ايمانها الشخصى بقدرتها على المنافسة بقوة بين قريناتها ممن هم فى جيلها بعيدا عن منافسة الشباب الصغير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة