بشكل غير متوقع خيب المخرج خالد دياب توقعاتى فى أول تجاربه الإخراجية ونفس الحال على مستوى السيناريو فى أحدث أفلامه السينمائية "طلق صناعى" الذى يعرض حاليا فى دور العرض.
المسيرة السينمائية "القصيرة" لخالد دياب كسيناريست كانت موفقة، بل إنها كانت مثيرة للجدل على مستوى الأفكار التى يبتكرها.. والدليل على ذلك سيناريو "عسل أسود" للنجم أحمد حلمى، الذى حقق وقتها نجاحا منقطع النظير لكنه فى نفس الوقت برهن على موهبة دياب كسيناريست واعد، فقدم "ورق" محكم ومكتوب بعناية، ورصد سلبياتنا دون فجاجة، ودون محاولات مصطنعة لتشوية بيئة هى بالأساس تعانى من عشرات التشوهات الاجتماعية.
خالد دياب
خالد عاد بعد عسل أسود ليشارك أخيه المخرج الموهوب محمد دياب فى كتابة فيلمى "الجزيرة 2" و"اشتباك"، وكلاهما ذاق نجاحا مختلفا عن الآخر فالأول نجح جماهيريا والثانى تفوق نقديا.
الفكرة الأساسية لفيلم "طلق صناعى" مستوحاة من "موضة" سفر الأزواج والزوجات اللاتى على وشك الإنجاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية سعيا وراء حصول مولودهم على الجنسية الأقوى فى العالم، لتكون بمثابة الخلاص من مضايقات مجتمع البقاء فيه للأقوى، وذلك من خلال قصة زوجين حسين "ماجد الكداونى" وهبة "حورية فرغلى اللذان ينتظران مولودهما ويسعيان للحصول على تأشيرة أمريكا ليولد الطفل هناك، ويصبح مواطنا أمريكيا، لكن لمرة ثانية وثالثة يرفض طلبهما، فتيأس الزوجة فى حين أن الزوج لا يكترث وكأنه كان ينتظر الرفض، فيلجأ إلى الخطة البديلة وهى أن تتناول زوجته حبوب تحفز على "الطلق الصناعى" وتعجل بالولادة، وبالتالى يولد الطفل فى السفارة ويصبح المولود أمريكيا باعتبار السفارة أرض أمريكية.
حيلة المؤلف ذكية بلا شك، لكن حينما تكاد تفشل تلك الحيلة، يتوقف الزمن، ويتحول الفيلم إلى نسخة معدلة من فيلم "الإرهاب والكباب"، وعند هذه النقطة يتحول الفيلم 180 درجة إلى عمل كوميدى بحت، لكن بشكل غير مدروس، حيث يستطيع حسين احتجاز رهائن بقوة السلاح حتى يستطيع أن يكسب مزيدا من الوقت حتى يعمل مفعول الدواء، ومن بين هؤلاء الرهائن مصريين يسعون للحصول على التأشيرة، وموظفى السفارة الأمريكان، وبعض المواطنين الأمريكيين.
وعلى الجانب الآخر تتحرك الجهات الأمنية المصرية بقيادة مدير أمن القاهرة بالتعاون مع السفير الأمريكى، الذى حاول أن يسأل مدير الأمن عن سبب عدم حضور وزير الداخلية، ليرد المدير الأمن الذى يجسده سيد رجب بأن هناك تعديل وزارى لكن السبب الحقيقى هو "حتى لا يكون التشابه مع الإرهاب والكباب متطابق" وكأن دياب "عاوز يحط التاتش بتاعه".
يتحول التعاون بين السفير ومدير الأمن إلى صراع على قيادة الأزمة وفرض السيطرة والسيادة، فالأمن يلجأ إلى أساليبه العنيفة التقليدية، فى حين يحاول السفير احتواء الأزمة والتعامل معها بحذر شديد خوفا على الرعايا الأمريكيين فقط لا غير، وحفاظا على هيبة أمريكا فى العالم.
الملاحظات الفنية المأخوذة على العمل كثيرة ولا حصر لها، أبرزها من وجهة نظرى هى أغنية "بشرة خير" التى يضعها مدير الأمن نغمة لهاتفه - علها تكون إيفيه - وهى الأغنية التى أنتجت فى مايو 2014، فى حين أن أحداث الفيلم تدور فى فبراير 2013، فإذا كانت هذه الملاحظة غير متعمدة من المخرج فهو خطأ، أما إذا كانت متعمدة فهو خطأ أكبر وغير مقبول فنيا وسياسيا.
أما على مستوى أداء الممثلين فحدث ولا حرج، فنيا لم يستطع أن يمسك بزمام الأمور على أفضل وجه، فلم يخرج ماجد الكداونى ما لديه من قدرات تمثيلية رغم الحالة الفنية الفريدة والاستثنائية التى يتمتع بها حاليا، فالقفزات الدرامية فى شخصيته حسين كانت مبالغ فيها وأحيانا أفعاله كانت غير مبررة، أما حورية فرغلى فكانت فى أسوأ حالتها وانفعالاتها كانت فى غير محلها على الإطلاق على العكس منهما سيد رجب كان الأفضل مع الأخذ فى الاعتبار أن دياب حول شخصيته فى الفيلم إلى شخصية كاريكاترية كوميدية من الدرجة الأولى، فقدم رجب ما طلب منه فى حدود المتاح وهو نفس الوضع لمصطفى خاطر الذى كان المنفذ الوحيد للكوميديا داخل السفارة، بالاشتراك مع محمد جمال "كلبظ" الذى يجسد شخصية شاب يدعى أنه مسيحى حتى يسافر أمريكا بحجة الاضطهاد الدينى رغم أن اسمه محمد.
أما ظهور مى كساب فى الفيلم كضيفة شرف، لم يكن له أى مبرر درامى سوى أن دياب حاول أن يستنسخ شخصية إيمى سمير غانم فى فيلم عسل أسود، التى تتحدث الإنجليزية بطريقة مضحكة.
صحيح أن الفيلم يتضمن عدة رسائل بين السطور تتمثل فى أزمة اتخاذ القرار من جانب الجهات الأمنية أمام العجرفة الأمريكية التى لا تنظر إلا لنفسها بعيدا عن ادعاءاتها بحماية حقوق الإنسان.
أزمة دياب ككاتب ومخرج لفيلم طلق صناعى أنه ترك الفكرة هى التى تقوده دون وعى وبتهور ملحوظ أن يسيطر عليها.
ألمتس لخالد دياب كثيرا من الأعذار فى الشكل الذى خرج عليه الفيلم إخراجيا كونها تجربته الأولى، لكن من الصعب أن تمر تجربته الكتابية فى هذا الفيلم مرور الكرام، ففى هذا الفيلم يتراجع دياب خطوات كثيرة للوراء.
والمفارقة أن السيناريو شارك فى كتابته محمد وشيرين دياب، وهو ما أراه علامة استفهام كبيرة والمنطقى أن يخرج السيناريو أفضل من ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة