فى مثل هذا اليوم الخامس عشر من يناير سنة 1918، ومنذ 100 عام، ولد أحد أهم أبطال هذه الأمة، وأحد مفاصلها التاريخية عبر عمرها المديد الذى يساوى عمر الإنسانية كلها، ليكون ليس أحد عظام هذا الوطن فقط، ولكن أحد أعظم قادة القرن العشرين، والذى أعاد المجد لقارة بأكملها، إنه جمال عبد الناصر بوجهه الأسمر النيلى وقامته العملاقة مثل إنجازاته وإخفاقاته، بحثت عن عبد الناصر فى كتابات الصحفيين والسياسيين والمؤرخين، ووجدت من يقدسه إلى حد التأليه، ومن يعاديه لدرجة الشيطنة، وعندما تشتبه الأمور، أبحث عند الشاعر، فالشاعر نبى الأمة وبصيرتها.
كثيرون هم الشعراء الذين كتبوا قصائد حب وتمجيد عن عبد الناصر، محمود درويش ، نزار قبانى، محمد إبراهيم أبو سنة، ومحمد مهدى الجوهرى، وعبد الوهاب البياتى، صلاح عبد الصبور، وغيرهم من كبار شعراء مصر والعالم العربى، وليس هذا غريبا، فقد كانوا يعبرون بصدق عن مكانة رجل خلدته أمته وجعلته أميرا للفقراء والفلاحين، لكن الغريب هنا أن يكتب شعراء، اعتقلهم عبد الناصر بسبب انتمائتهم السياسية، قصائد تمجده رغم ما عانوه من تعذيب فى سجونه.. إنها حقا ظاهرة استثنائية جديرة بالتأمل.
عبد الرحمن الأبنودى
سجن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى عام 1966، بسبب معارضته العلنية لنظام عبد الناصر، وأودع فى سجن انفرادى بالقلعة لمدة 6 أشهر، حتى أُطلق سراحه استجابةً للفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر، إذ كان شرطه الوحيد للحضور إلى مصر هو الإفراج عن سجينى الرأى والفكر.
قبل أيام قليلة من ثورة 25 يناير عام 2011 كتب الشاعر الكبير قصيدة لرثاء جمال عبد الناصر وهى من أجمل ما كتب شاعرنا العظيم، وتبريرا لتلك المفارقة، معارضة عبد الناصر خلال حكمه ورثاءه بعد وفاته، قال "الأبنودى" فى لقاء تلفزيونى عام 2014 :" ساعتها مكنتش ناضج، وكنت جاى من الأرياف والصعيد، وعاوز أدوس على الزراير يتصلح حال مصر فى ثانية، بس أنا طلعت غلط وعبد الناصر كان على حق، أنا وقفت ضد زعيم ميتوقفش ضده، وده العمى السياسى".
قصيدة يعيش جمال عبد الناصر
يعيش بصوته وأحلامه.. فى قلوب شعوب عبد الناصر
مش ناصرى ولا كنت ف يوم
بالذات فى زمنه وف حينه
لكن العفن وفساد القوم
نسّانى حتى زنازينه.. فى سجون عبد الناصر
إزاى ينسّينا الحاضر..
طعم الأصالة اللى فى صوته؟
يعيش جمال عبد الناصر
يعيش جمال حتى ف موتُه.. ما هو مات وعاش عبد الناصر!!
اسمه جمال وجميل فعلاً
ياما شفنا شجعان خوّافه
عظيم.. وكان إنسان طبعاً
المجد مش شغل صحافة.. علشان ده عاش عبد الناصر
أعداؤه كرهوه ودى نعمة
مِن كرهُه أعداؤه صادق
فى قلبه كان حاضن أمَّه
ضمير وهمَّة ومبادئ.. ساكنين فى صوت عبد الناصر
ملامحنا.. رجعت بعد غياب
دلوقت بس اللى فهمناه
لا كان حرامى ولا كداب
ولا نهبها مع اللى معاه.. أنا باحكى عن عبد الناصر
عشنا الحياة ويّاه كالحلم
فلا فساد ولا رهن بلاد
يومها انتشينا ثقافة وعلم
وف زمنه ماعشناش آحاد.. كنا جموع فى زمن ناصر
كان الأمل فى خُضرِتُه بِكْر
مافيش لصوص للقوت والمال
ومصر أبطال ورجال فكر
ومثقفين ستات ورجِال.. جيوش جمال عبد الناصر
كان الهلال فى قلبه صليب
ولا شفنا حزازات فى بلادنا
ولا شُفنا ديب بيطارد ديب
ولا جرَس خاصم مادنة.. وَحَّدْنا صُوت عبد الناصر
دفعنا تمن الحريّة
بدمّ مش بدينار ودولار
يوم وقفته فى «المنشيّة»
خلّى الرصاص يهرب من عار أعداء جمال عبد الناصر
رغم الحصار كنا أحرار
وفى الهزيمة الشعب ماجعْش
كان اسمها «بلد الثوار»
وقرار زعيمها مابيرجعْش.. قرار جمال عبد الناصر
خلَّى بلادُه.. أعزّ بلاد
ليها احترام فى الكون مخصوص
لا شفنا وسط رجالُه فساد
ولا خطط سمسرة ولصوص.. كان الجميع عبد الناصر
لولاه ماكنتوا اتعلمتوا
ولا بقيتوا «دراكولا»
ياللى انتو زعما وإنجازكو
دخّلتوا مصر الكوكاكولا.. وبتشتموا ف عبد الناصر
عمره ما جاع فى زمانه فقير
أو مالتقاش دوا للعِلّة
دلوقت لعبةْ «اخطف طير»
والأمة فى خِدْمةْ شِلَّة.. تكره جمال عبد الناصر
يتّريقوا على طوابيرُه
علشان فراخ الجمعية
شوفوا غيره دلوقت وخيرُه
حتى الرغيف بقى أمنيّة.. يرحم جمال عبد الناصر!!
فيه ناس بتنهب وتسوِّف
لا يهمّها من عاش أو مات
ورضا العدو عنّا يخِوِّف
معناه أكيد إننا قَفَوات.. من يوم ما مات عبد الناصر!!
الأرض رجْعت للإقطاع
وقالوا: «رجعت لصْحابها»
وصاحبَك الفلاح تانى ضاع
ضاعْت العقود واللى كتبها.. وخط إيد عبد الناصر!
أنا أذكُرك من غير ذكرى
والناس بتفتكرك بخشوع
الأمس واليوم ده وبكره
يبكوك بعظمة مش بدموع.. يكفَى نقول: «عبد الناصر»
دلوقت رجعوا الفقرا خلاص
سكنوا جحورهم من تانى
رحل معاك زمن الإخلاص
وِجِهْ زمن غير إنسانى.. ماهوش زمن عبد الناصر!!
صحينا على زمن الألغاز
يحكمنا فيه «أهل الأعمال»
وللعدو.. صدّرنا الغاز
بفرحة وبكل استهبال.. نكاية فى عبد الناصر!
بنمدها بغاز الأجيال
تحويشةِ الزمن القادم
إتوحَّشوا فْ جمع الأموال
ورجعْنا سادة وخوادم .. ضد اتجاه عبد الناصر
يا جمال.. نجيب زيك من فين
يا نار.. يا ثورة.. يا ندهِةْ ناى..
البوسطجى.. إللى اسمه «حسين»
– أبوك – منين جابك؟ وإزاى.. عمل جمال عبد الناصر؟!
لو حاكتبك.. ما تساع أقلام
ولا كلام غالى وأوراق
الأمر وما فيه.. أنا مشتاق
فقُلتْ امسِّى عليك وأنام.. نومةْ جمال عبدالناصر!!
أبو الشعراء .. فؤاد حداد
اعتقل "أبو الشعراء" فؤاد حداد، مرتين فى عهد عبد الناصر لمدة تزيد عن ثمانية سنوات، إلا أنه رثاه بديوانٍ كامل.
وفسر شاعرنا الكبير تلك المفارقة بين حبسه لمدة 8 سنوات ورثاء عبد الناصر "لأنه كان يعمل فى مصلحة مصر"، رافضًا شخصنة العلاقة، وفسّر حبه لناصر حسبما كتب الشاعر جمال بخيت فى الثمانينيات، فى مقالٍ له على "روزاليوسف": "المسألة لا تحسب بالمنافع أو الأضرار الشخصية.. لم أسجن فى عصر السادات يوما واحداً.. بينما اعتقلت لسنوات فى عصر عبدالناصر.. ولكننى أحب عبد الناصر ولا أحب السادات.. أنا أقيس المسألة بشكل موضوعى وليس بشكل ذاتى.. عندما كنت فى السجن فى عصر عبد الناصر.. كان يحقق لمصر كل ما أتمناه لها.. بينما السادات وبعد إنجاز أكتوبر كان يخطو بمصر إلى حيث لا يحب أن تكون".
قصيدة فؤاد حداد "استشهاد جمال عبد الناصر"
يا مصر حزنك يبكى الشمس لو جاية
حزنك من الطمى الأسمر يقتل المية
حزنك يسّمع ف قلبى وصوتى وعينيا
يا مصر من كل غمضة ف عينى بتشقّى
حزنك قديم وأليم وأمّر من بقّى
حزنك بيكفر ويستغفر وبيحزّن
وكنت خلّى الشهيد ياربّ يستأذن
لما أتولد كنت نايمة تحت لمبة جاز
وكان ولادى خيالهم يشبه العكّاز
ولما مات كنت شابة والجبين عالى
كانت إيديه العفيّة أم توعى لى
كان عارف المجد.. لا الأحجار ولا التماثيل
هى اللى تبنيه ولكن راحة التراحيل
وعارف القمح أكبر معجزات النيل
وف كل مطرح من العالم وكل صباح
طعم الرغيف مصرى وأصول العرق فلاّح
يا حضن مصرى يا طلعة فجر ياريّس
مع السلامة يا والد يا أحّن شهيد
آدى الرقابى ودى الأعلام بتتنكّس
فين طلّتك ف الدقايق تسبق المواعيد
والابتسامة اللى أحلى من السلام بالإيد
يا معانا ف كل فرحة ومعركة وجديد
أؤمر لى بحقوقى وهدوم الولاد ف العيد
والمجانيّة ومرايل بيضا والأناشيد
والصبر ما يغلبهش الذّل والتنهيد
فرّقت ورقك وقلت الكلّ يكتب لى
من البحيرة من الشرقّية من قبلى
وياما قلبك خفق من رحمته وضناه
كل الآهات شعب واحد يا حبيب الله
أحمد فؤاد نجم
اعتقل الشاعر الراحل عام 1967 بسبب معارضته لنتائج هزيمة يونيو، ورغم مراره السجن إلا أن الشاعر الكبير كتب فى عبد الناصر واحدة من أجمل قصائده، ويبرر "نجم" تلك المفارقة خلال لقاء تلفزيونى بقصة مع والدته التى زارته فى السجن بعد وفاة عبد الناصر، حيث وجد عينيها شديدتا الأحمرار فسألها: هل كنت تبكين ، فقالت : طبعا فقال لها: يا ولية يا مجنونة بتبكى على راجل حابس أبنك، فردت الفلاحة الفصيحة: أنت تافه.. عمود الخيمة وقع يا حمار، حسبما سرد شاعرنا الكبير.
زيارة لضريح عبد الناصر
السكه مفروشه تيجان الفل والنرجس
والقبه صهوة فرس عليها الخضر بيبرجس
والمشربيه عرايس بتبكى والبكى مشروع
من دا اللى نايم وساكت
و السكات مسموع
سيدنا الحسين؟
ولا صلاح الدين ولا النبى
ولا الإمام؟
دستور يا حراس المقام ولا الكلام بالشكل دا ممنوع؟
على العموم
أنا مش ضليع فى علوم الانضباط
أبويا كان مسلم صحيح
وكان غبى
وكان يصلى ع النبى
عند الغضب والانبساط
أبويا كان فلاح تعيس
فى ليله ضلمه خلفوه
وف خرقه سودا لفلفوه
وف عيشه غبرا
طلعوه
وعشه مايله سكنوه
ولصموه
وطلسموه
ودجنوه
وجهزوه
وجوزوه على عماه
فكان محير فى هواه ما بين أمى والجاموسة
وكان يخاف يقتل ناموسه
وكان خجول خجول
خجول
وكان دايما يقول استغفر الله العظيم من باب الاحتياط
أبويا طلعتوه حمار فكان طبيعى يجيبنى جحش
لا أعرف نبى من أجنبى
ولا مين ما جاش ولا مين ما رحش
موسى نبى
عيسى نبى
كمان محمد كان نبى
ويا قلبى صلى ع النبى
وكلنا نحب النبى
وكل وقت وله أدان
وكل عصر وله نبى
وإحنا نبينا كده
من ضلعنا نابت
لا من سماهم وقع
ولا من مرا شابت
ولا انخسف له القمر
ولا النجوم غابت
أبوه صعيدى وفهم قام طلعه ظابط
ظبط على قدنا وع المزاج ظابط
فاجومى من جنسنا
ما لوش مرا عابت
فلاح قليل الحيا
إذا الكلاب سابت
ولا يطاطيش للعدا
مهما السهام صابت
عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت
وعاش ومات وسطنا
على طبعنا ثابت
وإن كان جرح قلبنا كل الجراح طابت
ولا يطولوه العدا
مهما الأمور
جابت