من أين أتينا؟ إلى أين نحن ذاهبون؟.. هذا ما تحاول رواية "Origin" أو "الأصل" للكاتب الأمريكى الشهير دان براون الإجابة عليه، والتى صدرت فى أكتوبر 2017، وأثارت حالة من الجدل، خاصة وأنها تناقش قصة الخلق ونشأة البشرية، والصراع الأزلى بين الدين والعلم، وترجمتها العربية عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وفى طبعة مصرية عن الدار المصرية اللبنانية للنشر، فى القاهرة.
"يجب أن تكون لدينا الرغبة فى التخلى عن الحياة التى خططنا لها؛ لكى ننال الحياة التى نستحقها".. ينطلق دان براون فى روايته بافتتاحية مقتبسة من الكاتب الأمريكى جوزيف كامبل، المعروف بكتاباته حول الأساطير والميثولوجيا المقارنة وعلم الأديان، لتأتى بعدها الجملة الثانية، والثابتة فى روايات الكاتب الشهير "جميع الأعمال الفنية والمعمارية، والمواقع، والحقائق العلمية، والمنظمات الدينية المذكورة فى هذه الرواية حقيقية".
رواية "الأصل".. تكشف أكاذيب الإلحاد
برع دان براون فى تجسيد شخصية "إدموند كيرش" العالم المستقبلى والملحد الشهير، والذى يمثل فى رواية "الأصل" أولئك الذين لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، وأن قوانين العلم وتطوره هى التى أدت إلى ما نحن عليه، وما سنصبح عليه، فكشفت الرواية أكاذيب الإلحاد وما يتسند عليه من حجج علمية.
على مستوى السرد، أجاد دان براون رسم شخصية إدموند كيرش الماكرة، بداية من ذهابه إلى برلمان أديان العالم لإطلاعهم على ما توصل إليه من اكتشاف سيغير وجه الأرض، ليضعنا أمام أول مفارقة، وهى أن العالم الذى طلب خلال اجتماعه بثلاثة قادة روحيين، وعدم الإفصاح عما كشفه لهم، كان فى حقيقة الأمر يكذب عليهم، لتتوالى فيما بعد فضائح العالم الملحد بعد موته بما صنعته يداه، وحتى بعدما اطلع العالم بكل طوائفه على اكتشافه العلمى وكيف أن الفيزياء تتحكم فى تطور كل شيء، ليمحوه روبرت لانغدون بمجرد سؤال لم يجب عليه أحد: إن كانت قوانين الفيزياء قوية بما فيه الكفاية.. فمن الذى خلق تلك القوانين؟.
وفى نفس السياق، أظهر دان براون، خلال المناقشات الجدلية التى دارت للرد على مزاعم الإلحاد، أن "الثقافات التى تمارس الديانات عاشت تاريخيًا أكثر من الثقافات غير المتدينة"، وهو ما أكد عليه البروفيسور روبرت لانغدون بالإحصائيات.
"دعونا لا نكرر العنف الدموى الذى شهده التاريخ، دعونا لا نرتكب أخطاء الماضي".. ربما يمكننا اعتبار هدف دان براون الأكبر من رواية "الأصل" هو هذه الرسالة، فعلى الرغم من أن الرواية تتناول الصراع الأزلى بين الدين والعلم، وتفند حجج الإلحاد، إلا أنه على مستوى السرد، فإن دان براون، كثيرًا ما ذهب إلى هذه المناطق الأكثر دموية فى تاريخ الإنسانية بسبب الصراع بين الدين والعلم، وفى سياق رجوعه إلى التاريخ، مر دان بروان على بغداد، وتحديدًا فى القرن الثامن عشر، والتى كانت آنذاك أكبر مركز للتعلم على الأرض – كما يصفها – حيث استقبلت جميع الديانات والفلسفات والعلوم فى مدارسها ومكتباتها، وعلى مدى خمسمائة عام، تدفقت الابتكارات العلمية من المدينة على نحو لم يشهد له العالم مثيلاً، وما زال تأثيرها ملموسًا حتى اليوم فى ثقافة العالم، سواءً النجوم التى تحمل أسماءً عربية، والأرقام العربية التى يستخدمها العالم، ليدين فى الوقت نفسه ما تشهده الآن "فكر روبرت لانغدون كم أنه من المأساوى أن يتخيل الكثير من الأمريكيين مدينة بغداد كواحدة من مدن الشرق الأوسط المغبرة التى تمزقها الحروب، كما تظهر نشرات الأخبار، من دون أن يعرفوا أنها كانت فيما مضى مركز التقدم العلمى الإنساني".
ويشير دان براون – فى نفس السياق – إلى أنه "بحلول نهاية القرن الحادى عشر، كان أعظم اكتشاف فكرى على وجه الأرض يجرى داخل بغداد وحولها.
وفجأة، بين ليلة وضحاها تقريبًا تغير ذلك. فقد ظهر عالم لامع يدعى أبا حامد الغزالى وهو يعد اليوم واحدًا من أكثر المسلمين تأثيرًا فى التاريخ، وقد كتب سلسلة من القوانين تشكك فى منطق أفلاطون وأرسطو، وتعلن أن الرياضات فلسفة الشيطان. فأطلق بذلك مجموعة من الأحداث التى قوضت التفكير العلمى وأصبحت دارسة الفقه إلزامية، وفى نهاية المطاف، انهارت الحركة العلمية المعاصرة بأكملها".
دان براون يكتب الرواية وينتصر للشعر
ربما يلحظ جمهور دان براون، أن الروائى الشهير غالبًا ما ينتصر للشعر والشعراء فى رواياته، ويجعل منه مفتاح كشف اللغز الذى تدور حوله الرواية، ففى رواية "الحجيم" احتفى صاحب "شفيرة دافنشي" بالشاعر الإيطالى دانتى أليغييرى وبرائعته "الكوميديا الإلهية"، أما فى روايته الصادرة حديثًا "الأصل"، فجعل مفتاح كشف اللغز المتعلق بتطور المستقبل، يكمن فى إحدى قصائد الشاعر والرسام الإنجليزى وليام بليك.
دان براون يشيد بالشيخ سلطان القاسمى بعد زيارته لمعرض الشارقة للكتاب
فى عام 2014، استضاف معرض الشارقة الدولى للكتاب، الكاتب دان براون، وقدم الكاتب الأمريكى ندوة زاد جمهورها على 6 آلاف زائر، وحضرها حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان القاسمى واليوم، ونحن نقرأ رواية "الأصل" نرى كيف استفادت الشارقة من هذه الزيارة، حينما قال عنها صاحب "الجحيم" فى الرواية: ".. مدينة الشارقة، العاصمة الثقافية الإسلامية المحافظة جدًا لدولة الإمارات العربية المحتدة. فبوجود أكثر من ستمائة مسجد وأرقى الجامعات فى المنطقة، تحتل الشارقة مركز الصدارة على صعيد الروحانية والتعلم، وهو موقع تغذيه احتياطات النفط الضخمة وحاكم يضع تعليم شعبه فوق كل شيء آخر".
من المؤكد أن أى قارئ عربى وتحديدًا عشاق دان براون فى مصر، يحلمون بمشاهدته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ذات يوم، ولا يخفى على أحد أيضًا، عدد اللغات التى تترجم إليها روايات دان براون على مستوى العالم، فهل لنا أن نسأل: كيف يفكر القائمون على تنظيم معرض القاهرة الدولى للكتاب؟.