فى منتصف يناير عام 1918 كان حى باكوس الشعبى بالإسكندرية، على موعد لولادة طفل أصبح رائدًا لحركات التحرر فى الشرق الأوسط وإفريقيا، رجل اجتمع عليه الجميع، جمال عبد الناصر زعيم نادر الوجود فى زمنه، اعتبره القادة الجدد الذين أرادوا تحرير بلادهم على غرار مصر مثالاً يجب الاقتداء به، فأصبح تأثيرهم واسعاً عصياً على المحاصرة.
قال عنه وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، "عنيد" يفاخر بعناده ويراه أساسياً فى سبيل توحيد العرب، ولأجل ذلك كان يرى نفسه مجبراً دوماً على معارضتنا.. وفكرة الأمة العربية هى مجرد تفكير رمزى، ورؤيا شبه نبوية، وحلم يستلهم من المؤمنين الحقيقيين أعمالاً بطولية، لكنها نادرة التحقيق.
ووفقا لما ذكره سامى شرف مدير مكتب عبد الناصر، فإن السفير هنرى بايرود، سفير الولايات المتحدة الأمريكية فى القاهرة إبان الخمسينيات، وصف عبدالناصر بأنه «القائد الوحيد فى العالم العربى الذى يمثل الاتجاه الجديد، والذى يمكن لدبلوماسى غربى أن يجرى معه مناقشات مفيدة متزنة»، ولو حدث انتخاب حقيقى فى سوريا أو الأردن أو العراق لفاز ناصر بنسبة كاسحة.
وفى الذكرى المئوية لميلاد الزعيم خالد الذكر، جمال عبدالناصر، نستعرض أهم القرارات التى اتخذها عبد الناصر فى حياته وأثرت على مصير المنطقة والعالم، وجعل "ناصر" مصر خلال فترة حكمه، مركزًا لحركة عالمية شعاراتها التحرير والكرامة والوحدة، عرفته ميادين العواصم الافريقية وشوارع كوبا، وكاريزما الزعيم منحته فيضا من الأسماء.
وفى كواليس السياسة وأروقة صناعة القرار كان هناك دائما "ناصر" آخر، كانت مواجهة الأزمات الكبيرة والمتلاحقة تستدعى قرارات خطيرة وحاسمة، تلك القرارات وصفها المعلقين السياسيين بالتاريخية، ذلك أن كل قرار اتخذه كان ينهى حقبة ويفتتح أخرى ويصنع التاريخ.
وبمناسبة ذكرى ميلاده نرصد 7 قرارات هى الأهم فى حياة جمال عبد ناصر استطاع من خلالها التأثير على مصير مصر والمنطقة بل والعالم.
قرار تأسيس تنظيم الضباط الأحرار
اتخذ الصاغ الجريح جمال عبد الناصر، العائد من حرب فلسطين 1948 بصحبة زملائه قرار بتأسيس تنظيم داخل الجيش يكون النواة لتصحيح الأمور فى مصر، إدراكا منه بأن الحرب لابد أن تكون على الفساد أولاً فى مصر وليس فى فلسطين، وأثارت هذه الفكرة بمجرد إعلانها على النظام الملكى علامات ساهمت فى تغيير وجه السياسة بالمنطقة وزعزعة نظام استشرى السوس فى أنحاء جسده.
قرار ثورة 23 يوليو والإطاحة بالنظام الملكى
أصدر الضابط جمال عبد الناصر، قرار آخر جرئ ساهم فى تغيير المشهد السياسى فى مصر والعالم العربى بل والعالمى باعتبار أن مصر كانت تحت الحماية البريطانية، وذلك يوم أن قرر البدء فى إزاحة النظام الملكى برفع رايات ثورة 23 يوليو 1952، إيمانا منه بأن السلطة الملكية المصرية لا يمكن إصلاحها بالعمل السياسى ولكن لابد من خلعها واستبدالها بإقامة حياة سياسية جديدة بعيدا عن احتكار السلطة والمال فى يد العائلة المالكة.
ودشنت مبادرة جمال عبد الناصر بقيادته ثورة 23 يوليو ضد الملك بداية رحلة التحرر فى العالم العربى والإفريقى من الظلم والاستعمار، ويعد هذا القرار الثانى بمثابة مشهد آخر ساهم فى تغيير وجه السياسة فى العالم.
"الأرض للفلاحين".. قرار بصدور قانون الإصلاح الزراعى
يعد قانون الإصلاح الزراعى أول قرار اتخذه جمال عبد الناصر ويدعم مشوار ثورة 23 يوليو، والذى حول الأمر برمته من حركة انقلاب قام بها الضباط الأحرار إلى ثورة شعبية تراعى مصالح الجماهير وتضعها فى المقام الأول ضمن أولويات السياسة المصرية.
وتضمن القانون عدة بنود استقبلها المصريين بفرحة عارمة، أولا: الإصلاح على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، ثانياً: أخذ الأرض من كبار الملاك وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين، ثالثاً: حددت ملكية الفرد والأسرة متدرجة من 200 فدان إلى خمسين فدان للملاك القدامى، رابعاً: يمتلك كل فلاح مصرى 5 أفدنة يستخدمها للزراعة.
قرار تأميم قناة السويس وعودتها للمصريين
يعتبر قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بتأميم قناة السويس وتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية من أجرئ القرارات وأكثرها نفعا وخدمة للمصريين قيادة وشعباً، حيث أعاد هذا القرار للمصريين قيمتهم أمام العالم بحصولهم على حقهم القديم باعتبار أن بناة القناة وحافروها هم المصريين وليس الفرنسيين أو الانجليز.
وأظهر قرار تأميم القناة شخصية القيادة المصرية أمام العالم، وكان له أكبر التأثير على السياسة العالمية من خلال ما حدث من صدام القوى الدولية فى أعقاب العدوان الثلاثى على بورسعيد متمثلة فى فرنسا وأمريكا وبريطانيا ضد مصر من جهة وفى الجهة الأخرى الاتحاد السوفيتى داعما القيادة المصرية.
قرار بناء مشروع السد العالى
تحدى الرئيس جمال عبد الناصر المجتمع الدولى بقرار مشروع بناء السد العالى بعد أن رفض البنك الدولى تمويل المشروع بهدف تركيع مصر أمام القوى العظمى الدولية، ويعد قرار بناء السد من أول القرارات الاقتصادية التى وضعت مصر على خريطة الاصلاح والتنمية الاقتصادية والصناعية.
وقرار بناء السد ساهم فى حماية مصر من الفيضان والجفاف، والتوسع فى المساحة الزراعية نتيجة توفر المياه، والتوسع فى استصلاح الأراضى وزيادة مساحة الرقعة الزراعية من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، وعمل أيضاً على زراعة محاصيل أكثر على الأرض نتيجة توفر المياه مما أتاح ثلاث زراعات كل سنة، وأدى إلى تحويل المساحات التى كانت تزرع بنظام الرى الحوضى إلى نظام الرى الدائم، وتوليد الكهرباء التى أفادت مصر اقتصادياً.
قرار تأسيس الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا
وحد الرئيس جمال عبد الناصر الوطن العربى جزئيا فى عام 1958 عندما اتخذ قرار تأسيس الاتحاد بين مصر وسوريا فى ما عرف فى التاريخ الحديث باسم "الجمهورية العربية المتحدة"، مما يعد بداية حقيقية لحلم توحيد الدول العربية، وأعلنت الوحدة بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة بين الرئيسين السورى شكرى القوتلى والمصرى جمال عبد الناصر، وأثر قرار الوحدة العربية بين مصر وسوريا على الخريطة السياسية وأعاد حلم توحيد العالم العربى.
قرار التنحى عن السلطة عقب نكسة 5 يونيو 1967
باتخاذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار التنحى عن السلطة فى أعقاب نكسة 5 يونيو 1967، رسخ مبدأ الاعتراف بالخطأ من قبل المسئول واستعداده تحمل المسئولية باعتباره السبب الأول فى الهزيمة.
وقرار "ناصر" يعد من أهم القرارات وأشهرها فى مسيرته التى كسب بها احترام الجميع الأعداء والأصدقاء، وزحفت بعده الجموع إلى الشارع تهتف باسمه إيمانا منهم بأن "ناصر" بمثابة "بوصلة" الطريق وبدونه يضيع الشعب المصرى فى هذه الفترة العصيبة من حكم مصر.