قبل عدة أيام وتحديدا يوم الجمعة 12 يناير أمهل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حلفاءه الأوروبيين، ثلاثة أشهر أخرى؛ لإجبار إيران على تعديل الاتفاق النووى مع العالم، وفى بيان البيت الأبيض، مدد ترامب العمل بالاتفاق ولم يخرج منه ليمنح الاتحاد الأوروبى ما وصفه بأنها "الفرصة الأخيرة"، ما عنى أن أوروبا إن لم تتوصل إلى صيغة تفاهم مع إيران قبل منتصف إبريل المقبل فإن واشنطن ستنقض الاتفاق.
تسلسل زمنى للأحداث
يوم الأربعاء 17 يناير كشفت تقرير إخبارى بريطاني أن وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى فيديريكا موجيرينى، اتفقوا مع طهران حول بدء محادثات مكثفة وجدية بشأن برنامج إيران الصاروخى وتدخلاتها فى شؤون بلدان المنطقة.
التقرير الذى نشرته جريدة فاينانشال تايمز اللندنية الشهيرة والمعروفة بدقتها الفائقة ومصداقيتها، ذكر أن وزير الخارجية الألمانى زيجمار جابريل، قد أبلغ وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون بنتائج هذا التوافق مع إيران، وذلك عقب اجتماعه مع وزيرى خارجية فرنسا والمملكة المتحدة فى نهاية الأسبوع الماضى، وكذلك عقب لقاء فيديريكا موجرينى مع وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف.
إلى هنا كان التسلسل الزمنى للأحداث منطقيا بعد ضغوط الرئيس ترامب على أوروبا، وتفويته فرصة إحداث الوقيعة بين واشنطن وبروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبى) وبالتالى تجنب تداعيات إخراج إيران منتصرة فى تلك المعركة الدبلوماسية.
لكن المفاجئ أن إيران عادت عن موقفها وأصدرت الخارجية الإيرانية مساء يوم الأربعاء 17 يناير، بيانا نفت فيه صحة قبولها إعادة التفاوض حول إدراج بنود جديدة تتعلق بالتجارب الصاروخية الباليستية، ونشر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية من خلال الموقع الرسمى للوزارة على الإنترنت "نفيا شديدا" لما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية بشان البرنامج الصاروخى الإيرانى.
لا اتفاق بدون أمريكا
وبتحليل السياق يتبين أن الرئيس الإيرانى حسن روحانى قايض الغرب على دعم مركزه السياسى بعد المظاهرات العارمة التى عمت البلاد فى الأسابيع الأخيرة مقابل الحصول على موافقته على إعادة التفاوض حول الاتفاق، غير أن الحرس الثورى بعد أن استتب له الأمر ونجح فى قمع الاحتجاجات الشعبية ضغط على حسن روحانى للتراجع عن موقفه.
يظهر ذلك من خلال عدد من الاعتبارات منها أن فاينانشال تايمز ليست هى الصحيفة التى تفبرك مثل هذه النوعية من المعلومات بالغة الحساسية، كما أن الجريدة الشهيرة نسبت معلوماتها إلى مصادر ألمانية محددة، وذكرت سردا منطقيا للغاية حول مجريات السياسات الأوروبية تجاه إيران، خاصة أن اللاعب الأوروبى يعرف ـ على نحو يشبه اليقين ـ أن الاتفاق لا قيمة له بدون الولايات المتحدة؛ لأنها صاحبة أكبر قدر من العقوبات على إيران، كما أن بيدها غلق صنبور الاتفاقات التجارية بين أوروبا وإيران، إلى جانب تحكمها شبهه المطلق فى المؤسسات المالية العالمية ومنها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى ومؤسسات التصنيف الائتمانى.
الدليل على ذلك، عدم سماح أمريكا لأوروبا ببيع طائرات إيرباص الأوروبية إلى إيران، لأن أمريكا تتحكم فى تصنيع قدر كبير من معدات وقطع غيار الطائرات، وبالتالى لن تتمكن أوروبا من تنفيذ صفقات الطائرات إلا بضوء أخضر أمريكى، وهنا يظهر الوزن النسبى الأمريكى بالغ التأثير فى معادلات القوة بالعالم.
لماذا تريد أمريكا تعديل الاتفاق؟
السؤال الآن، بعد هذا الطرح، لماذا تريد أمريكا تعديل الاتفاق؟ ولماذا أظهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إرادة صلبة نحو تعديل الاتفاق الآن أكثر من أى وقت مضى؟ ولماذا يريد إدراج بنود تمنع إجراء التجارب الصاروخية الباليستية؟
الإجابة ببساطة وهى أن إيران خرقت الحدود المسموح بها، وتعاظم دورها الإقليمى على نحو أزعج أمريكا بشدة، وظهر ذلك من خلال نفوذها المتزايد فى الأزمة اليمنية واقترابها نظريا من تهديد ممرات الملاحة فى البحر الأحمر من خلال السيطرة على مضيق باب المندب، وهو أمر يشكل خطا أحمر فى ما يعرف بـ"الجراند استراتيجى" الأمريكية.
إلى جانب أن إيران أضرت النفوذ الأمريكى فى إقليم كردستان العراق، من خلال نجاحها فى إجهاض محاولة الانفصال الكردستانية فى شمالى العراق، ما جعل أربيل توقن أن الدور الأمريكى تراجع على ضوء التمدد الإيرانى، وهو أمر بالغ الخطورة على تموضع أمريكا فى الملف الكردستانى؛ لاعتبارات توازن القوى بالإقليم، ولاعتبارات منع روسيا من استغلال فراغ القوة والحصول على مكاسب استراتيجية واقتصادية.
عليه يمكن استخلاص أن الاتفاق النووى مع إيران لن يكون ذا قيمة بدون الولايات المتحدة وهو الأمر الذى تعرفه إيران كما يعرفه الاتحاد الأوروبى؛ لذلك فإن الأسابيع المقبلة ستشهد ـ على الأرجح ـ قبولا إيرانيا بإعادة التفاوض على بعض البنود فى خطة العمل الشاملة المشتركة، تلك التى توصلت إليها مع العالم فى الرابع عشر من يوليو 2015.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة