استعد جاك بيتون «إلى العودة لإسرائيل من ألمانيا، بعد أن قضى إجازة فيها من يوم 22 ديسمبر عام 1963، حسب كتاب»18 عاما خداعا لإسرائيل–قصة الجاسوس المصرى رفعت الجمال عن مركز الأهرام للترجمة والنشر- مؤسسة الأهرام– القاهرة».
كان «بيتون» أو «رفعت الجمال» حسب اسمه الأصلى، أو»رأفت الهجان»، حسب اسمه فى المسلسل التليفزيونى الشهير فى «فرانكفورت» بألمانيا، مع الألمانية «فالترا ود بيتون»، التى تعرف عليها قبل أسابيع قليلة من سفره، وأصبحت زوجته فيما بعد، وجاء كل ذلك بعد سنوات من نجاح المخابرات المصرية فى زرعه داخل إسرائيل، ويتذكر بدايتها قائلا: «فى يونيو 1956، استقبلت سفينة متجهة إلى نابولى قاصدا أرض الميعاد، ودعت مصر دون أن أدرى ما سوف يأتى به المستقبل».
تتذكر «فالترا» وقت عودتهما إلى إسرائيل فى مذكراتها مع «بيتون» أو»الجمال»، وهى القسم الأول من كتاب»18 عاما خداعا لإسرائيل»:»مضى الوقت سريعًا فى ألمانيا، وفى الرابع من يناير «مثل هذا اليوم»عام 1964، حان وقت العودة إلى «الوطن» إلى تل أبيب، سافرنا أول الأمر إلى مرسيليا بفرنسا لشحن السيارة الجديدة، التى اشتراها لى «جاك» عندما كنا فى ألمانيا، عدنا إلى تل أبيب، وحضرنا العديد من حفلات العام الجديد، إذ كانت لجاك علاقات كثيرة واسعة كرجل أعمال أو علاقاته الخاصة، كنت فى شرخ شبابى، وكان كل شىء جديدا فى عينى، كان لجاك وكالة سفريات للسياحة فى وسط المدينة اسمها «سى تورز»، وهيأت لنا هذه الوكالة فرصة للسفر ولقاء كثير من الناس، وعقد صفقات كثيرة مع الشباب من موظفى الحكومة». تضيف»فالترا»: «كانت الوكالة عبارة عن دكان به مكتبان أو ثلاثة، وله نافذة عريضة، كانت السكرتيرة تشغل مكتبا منها، ويشغل «جاك» مكتبا آخر، والثالث يشغله الدكتور «روايز» شريك جاك، كانوا ينظمون رحلات سياحية مختلفة، وسفريات إلى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، ونظموا رحلات كثيرة للوزارات، وكان يقول لى إن الشركة تحقق ربحًا جيدًا، وكان هذا واضحًا من مستوى إنفاقه».
تتحدث «فالترا» عن صداقات بيتون أو «الجمال» مع القيادات الإسرائيلية الرفيعة، ومن خلال التفاصيل التى تذكرها سنعرف عمق وقوة علاقات «الجاسوس المصرى» مع أعلى مستويات القيادة فى إسرائيل، وتسجل هذه التفاصيل عن وقت كان «بيتون» بالنسبة لها يهوديا وصهيونيا متطرفا..تقول فالترا: «كان أقرب الأصدقاء لنا هم، موشى ديان» وزير الدفاع و»جولدا مائير»، وزيرة الخارجية ثم رئيسة الحكومة، وبن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، وعزرا وايزمان رئيس إسرائيل 1993 -2003 تضيف: «كان جاك وموشى وعزرا أشبه بالفرسان الثلاثة، وكانوا عندما يجتمعون معًا، نادرًا ما يعكر صفوهم أى شىء، كانت حياتهم مزاحًا فى مزاح، أما جولدا وبن جوريون فكانا بمثابة الأبوين له، لقد تقبلانى برضا وترحاب، وأبديا عطفا كبيرا نحوى.. كانت جولدا كثيرا ما تسألنى عما إذا كان جاك يحسن معاملتى أم لا؟. كانت على استعداد لأن تأمره بالجلوس أمامها لتوصيه خيرا بى، وتأمره بذلك، غير أنى كنت أقول لها دائما إنه مثال الرجل المهذب معى».
تتذكر «فالترا» أول مرة قابلت فيها جولدا، وتصف شخصيتها:»قابلت جولدا أول مرة فى حفل كوكتيل رسمى، وجدتها سيدة جادة تمامًا، ونشأ بيننا نوع من التعاطف، إذ بدت كأم، كانت عطوفة للغاية، شديدة الاهتمام بالأمور العادية، سألتنى عن زواجى، وما إذا كنت سعيدة به، وما إذا كان زوجى يحسن معاملتى، وإلا فإنها ستلقنه درسًا نافعًا فى ضوء خبرتها»، وتكشف عمق علاقة «الجمال» مع»بن جوريون»: «كان يحب جاك، ويعتبره ابنا له، ويستقبله بالأحضان والقبلات مثل صديقين حميمين، أو شخصية من أسرة واحدة حتى أننى سألت جاك: هل أنت من أقربائه، أم ماذا؟ فأجاب: لا، نحن مجرد أصدقاء مخلصين، حميمين وقريبين من بعضنا البعض، ولذا يعاملنى بود، سألته: هل تعرفه منذ أن أتيت لإسرائيل؟: أعرفه منذ وقت طويل، كان هذا هو رده، فلم يكن يعطى إجابات مفصلة عن الأسئلة».
تواصل»فالترا»: «كان جاك يتحدث مع بن جوريون بالعبرية بطلاقة شديدة، واعتاد بن جوريون أن يكون ودودا معى للغاية، يسألنى، عما إذا كنت مرتاحة فى إسرائيل؟ لأنه كان يخشى من أن لا يحب الوافدون الإقامة فى إسرائيل، لذلك كان يبادرنى فى كل مرة بسيل من الأسئلة: هل تحبين البلد؟ هل تشعرين أنك فى وطنك؟ هل تسمتعين بوقتك؟.هل تجدين الإسرائيليين ودودين؟ هل تحبينهم؟ وقد أهدانى عملة ذهبية مازلت أحتفظ بها.
تؤكد»فالترا»: «لم تكن علاقة جاك بكبار المسؤولين علاقة عمل، بل علاقة صداقة وحب، وكان حريصًا على هذه العلاقة، فهو دائم الاتصال بهم تليفونيًا، ويزورهم، ويسألهم عما إذا كان يستطيع أن يقدم لهم أى خدمة، أو يحضر لهم شيئًا ما عند سفره للخارج، وإضافة للثلاثى جاك، ديان، وايزمان، كان لهم صديقان آخران هما روبرت كايلر، وشواب».