إذ تحتفل مصر الخالدة غدا "الأحد" بعيد ميلاد السيد المسيح فإنها بثقافتها الوطنية الجامعة تحتفل بيوم يحمل تجليات ثقافة المحبة وهو يوم لكل المصريين مسيحيين كانوا أو مسلمين فكلهم من أبناء وطن باركه المسيح ابن مريم الذى يوقره الوجدان المسلم.
ويقيم البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية قداس عيد الميلاد مساء اليوم "السبت" بكاتدرائية ميلاد المسيح التى أقيمت فى العاصمة الإدارية الجديدة وتسع نحو 2500 شخص.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى أعلن فى كلمة أثناء الاحتفال بعيد الميلاد فى العام الماضى بالكاتدرائية المرقسية عن قرار بإنشاء مسجد وكنيسة بالعاصمة الإدارية الجديدة على أن يتم افتتاح الكنيسة والمسجد الكبيرين فى بداية عام 2018.
ويأتى الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام فيما يقف المصريون على قلب رجل واحد فى مواجهة الإرهاب معتصمين بثقافة المحبة التى نبتت عبر التاريخ المديد فى أرضهم الطيبة لتشكل الزاد والترياق الأقوى من كل جرائم الإرهاب.
وها هم المصريون من المسلمين قد هرعوا للدفاع عن كنيسة "مارمينا" فى منطقة حلوان ونجدة أشقائهم المصريين من المسيحيين عندما تعرضت هذه الكنيسة مؤخرا لهجوم إرهابى وانطلق الصوت النبيل لإمام المسجد القريب من هذه الكنيسة بنداء للمصلين لحماية الكنيسة والتصدى للإرهابيين فى مشهد ضمن مشاهد نبيلة تتوالى لتكشف عن حقيقة هذا الشعب العظيم وأن الدم المصرى واحد ولن يلوثه الإرهاب الجبان والجماعات التكفيرية الظلامية التى أعمتها ظلماتها عن إدراك حقيقة احترام الإسلام وتشجيعه للتنوع الإنسانى.
ولعل الوقفة الباسلة للمسلمين دفاعا عن كنيسة أشقائهم المسيحيين فى حلوان تجسد ما انتهى إليه مثقف عربى كبير منذ سنوات وهو الأكاديمى والمؤرخ الموسيقى اللبنانى فيكتور سحاب، عندما خلص فى سياق إجابة لسؤال مطروح بشأن حماية المسيحيين العرب إلى أن هذه المهمة لن ينهض بها إلا "شركاء الوطن من المسلمين وليست من شأن أى قوة خارجية".
وفى وقت يتساءل فيه بقلق الكثير من المثقفين فى العالم ومن بينهم الكاتبة الأمريكية آنا هولمز عما إذا كان "التنوع" قد فقد معناه وأمسى فى محنة جراء التعصب والأفكار المشوشة فى أماكن عديدة بهذا العالم فإن مصر كانت ومازالت مكانا دالا على معنى التنوع وتجلياته الإنسانية.
ومن نافلة القول إن أعداء مصر والمصريين معنيون بإخماد هذا التنوع الإنسانى الخلاق ضمن أطياف ثقافة المحبة التى تعد عنوانا مصريا أصيلا بقدر ما ينساب بسلاسة فى شرايين الجسد المصرى الواحد ليزيده قوة ومناعة وقدرة على الإبداع.
وإذا كانت الثقافة تعنى فى أحد أبعادها المتعددة ممارسة أى فعل يومى على نطاق واسع بطرق وأشكال لانهائية فلعل مصر هى التجسيد الحى على الأرض لثقافة التسامح والتنوع الخلاق ومعنى الإخاء وتلاوين المحبة بين الجميع فى نسيج وطنى واحد دون تفرقة ممجوجة بين مسلمين ومسيحيين.
وهكذا يقول مثقف مصرى كبير هو الكاتب والشاعر أحمد عبد المعطى حجازى إن المسيحيين فى مصر ليسوا أقلية موضحا أن "العامية المصرية هى ثمرة اللقاء بين العربية الفصحى والمصرية القبطية" كما أن "الشهور القبطية هى الزمن الذى يحياه الفلاحون المصريون والأعياد والموالد المسيحية والإسلامية ليست مجرد أسماء ومناسبات ولكنها ثقافة وطنية جامعة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة