اختار نابليون بونابرت مجموعة من العلماء لتكون ضمن فرقة تذهب إلى السويس للسيطرة عليها، وذلك ضمن مخططه للسيطرة على مصر والشام وقدوم حملته عام 1798 لتنفيذ هذا المخطط، ووفقا لكتاب «نابليون بونابرت فى مصر» تأليف: أحمد حافظ عوض، عن «دار كلمات عربية للترجمة والنشر - القاهرة»: «لم يكن الفرنساويون لهذا الوقت» أوائل شهر ديسمبر 1798، قد امتلكوا السويس، لانقطاع المواصلات بينها وبين القاهرة، ولسطوة العربان فى الصحراء الواقعة بين البلدين، وقد حاولوا احتلال ذلك الثغر بواسطة نفر من المماليك وبضع نفر من الفرنساويين فلم ينجحوا»، ويشير «عوض» إلى أن احتلال السويس بالنسبة لنابليون «كان ضروريا لوصول التجارة المقبلة من البحر الأحمر، ولتأمين الحجاج، ولقطع المواصلات مع إبراهيم بك قائد المماليك» ومن معه فى سوريا.
فى يوم 24 ديسمبر 1798 ووفقا لعوض: «عسكر نابليون ومن معه من الجنود والقواد والعلماء فى بركة الحج، ثم وصل بلده «أجرود» بعد ظهر اليوم التالى وسار منها إلى السويس فوصلها فى الليل وبات فى خيمة، ويصف عوض طبيعة السويس وقتئذ قائلا: «كانت فى ذلك الزمن قرية صغيرة، يقيم فيها بضع مئات من الناس فى غير موسم الحج، وكان الماء ينقل إليها على ظهور الجمال من عيون موسى، وليس فيها من الصهاريج التى تحفظ فيها المياه إلا عددا قليلا قد تخرب أكثره، وكان يصل عدد سكانها إلى نحو ألفين أو ثلاثة آلاف فى أيام موسم الحج وحركة التجارة، ولما وصلها نابليون فى 27 ديسمبر أصدر أمره بإقامة المعاقل والحصون وعزم على زيارة «عيون موسى».
فى قصة استيلاء نابليون على السويس، ثم العودة منها سنعرف إدراكه لأهمية خطوته، فلا يمكنه الاستيلاء على الشام دون ذلك، ويذكر عوض، أن القائد الفرنسى ذكر فى مذكراته التى أملاها على الجنرال «برتران» فى منفاه بـ«سانت هيلانة»، أنه لو بقى الفرنساويون فى مصر ينتظرون فى الغارة عليها من البحر والبر لعرضوا أنفسهم لأخطار كبيرة لا قبل لهم بها، ولذلك صمم على مهاجمة أعدائه قبل أن يهاجموه، وبدأ فى تجهيز الحملة على سورية، وكان نابليون يؤمل أن ينضم إليه مسيحيو سوريا ودروز جبل لبنان لما يقاسيه أولئك من ظلم الجزار «أحمد باشا الجزار حاكم عكا» وقبائحه، وكان من جهة أخرى يصور لنفسه إمكان تأليف جيش كبير من أهالى سوريا ليسير بهم إما شمالا إلى الأستانة وإما جنوبا بشرق إلى بلاد فارس والأقطار الهندية ليعيد ذكرى الإسكندر المقدونى».
فى مدة إقامته بالسويس وحسب الجبرتى: «سار نابليون يركب ويتأمل النواحى وجهات ساحل البحر ليلا ونهارا»، ويؤكد «عوض»، أنه قصد استطلاع طريق مواصلة البحر الأبيض بالأحمر، وفى الثالث من يناير سار ومعه بعض القواد والجنود فى اتجاه «وادى الطمبلات»، وهناك أبصر برجل يسير على هجين يحمل رسالة ولما رأى الرجل الجنود الفرنسية حاول الاختفاء والابتعاد، وكانت الرسائل التى معه من إبراهيم بك، والجزار باشا إلى مصر معلنة بابتداء المعارك على حدود سوريا وبأن جيش الجزار داخل الأراضى المصرية، وأن مقدمة هذا الجيش احتلت قلعة العريش، وهى تعمل فى تحصين القلعة لتكون قادرة على الدفاع، وفى هذه الأثناء وصلت مراكب من جدة إلى السويس حاملة مقدارا عظيما من البن وبضائع الهند فاجتاز بونابرت الصحراء وعاد إلى السويس، وكانت حملة هذه المراكب تبلغ نحو أربعمائة أو خمسمائة طن، وجاءت أيضا قافلة من القاهرة وأصبحت مدينة السويس كمدينة هندية، وقابل بونابرت التجار الذين عادوا من الهند، وبعد ذلك سار من السويس إلى الصالحية، وأخذ فى إقامة الاستحكامات فيها استعدادا للحملة على سوريا».
أقام «نابليون» تجهيزاته من أجل هدفه الكبير وهو «الشام»، وبحث فى سد أى ثغرات قد تعوق هدفه، وحسب عوض: «عاد نابليون من رحلته إلى السويس فى السابع من يناير» مثل هذا اليوم «سنة 1799»، ويقول الجبرتى: «فى ليلة الاثنين غاية شهر رجب حضر سارى عسكر بونابرت من ناحية بلبيس إلى مصر ليلا، وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ العبابدة وخلافه رهائن، وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم للقاهرة، وخلفهم أصحابهم ونساء وصغارا» ويؤكد «عوض»، «أن نابليون فعل ذلك بعرب الشرقية وأخذ زعماءهم رهائن إلا ليأمن جانبهم فى حملته على الشام».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة