مازالت تعيش المؤسسة العسكرية فى تركيا منذ أكثر من عام، أسوأ عصور القمع فى تاريخها المعاصر، بعد محاولة الإطاحة بحكم ديكتاتورى يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان فى يوليو 2016، لتواجه بعدها حملات تصفية وتسريح واعتقالات متواصلة وملاحقات قضائية، وممارسات قمعية، ما دفع العديد منهم بطلب اللجوء السياسى مع عوائلهم إلى الخارج هربا من بطش النظام وإذلاله للجنود والضباط، واعتراضا على إشراك تلك القوات فى عمليات عسكرية ونوعية خارج حدودها فى شمال العراق وسوريا تعرضهم لهزائم ويقتل العديد منهم.
وفى أحدث حلقة من حلقات القمع للمؤسسة العسكرية التركية، أصدرت النيابة العامة التركية، الأسبوع الجارى مذكرة اعتقال بحق 36 عسكريا ضمن التحقيقات التى تجريها على خلفية محاولة الإطاحة بحكم أردوغان 15 يوليو 2016، والانتماء لحركة الخدمة التى تزعم الحكومة وقوفها وراء محاولة الانقلاب بدون أدلة.
وبحسب صحيفة "زمان" التركية، كشفت مصادر أمنية أن من بين المعتقلين 5 طيارين فى الخدمة من قائدى طائرات F-16 المقاتلة فى صفوف القوات الجوية التركية، مشيرة إلى أن من بينهم اثنان شاركا فى عملية غصن الزيتون التى شنتها القوات المسلحة التركية على مدينة عفرين شمال سوريا فى يناير الماضى، التى استولت عليها تركيا.
ووجهت النيابة العامة للموقوفين تهمة استخدام هواتف مشفرة يزعم استخدامها فى المراسلات بين الإنقلابيين، بالإضافة إلى التهمة المعتادة بالانتماء لحركة الخدمة.
وشدد أردوغان العام الماضى القمع ضد القوات التركية التى يحتل المرتبة رقم 4 بين أقوى جيوش حلف شمال الأطلسى، وكالمذنب عاقب الرئيس وشن ضد الجيش حملات تنكيل واعتقالات تعسفية فى صفوف ضباطه وحاول إقصاء المؤسسة العسكرية، ظنا منه أن تعاظم نفوذها سيقضى على حلمه فى الاستيلاء على السلطة وانتزاع صلاحيات أوسع تبقيه فى الحكم حتى 2029، فاعتقل أكثر من 50 ألفا و510 من بينهم 169 برتبة جنرالا و7 آلاف و9 برتبة عقيد و8 آلاف و815 فرد أمن، بالإضافة إلى 24 واليا و73 نواب و116 محافظا 2431 قاضيا ومدعيا عاما.
3 وجهات أمام الجيش التركى للفرار من الجحيم الأردوغان
وحتى لا يلقوا مصير من بقوا من جنرالات وضباط فى السجن، فر 8 عسكريين إلى اليونان، فى مايو 2016 على متن مروحية عسكرية، وتقدموا بطلبات لجوء هناك، وبينما رفض القضاء اليونانى عدة طلبات تقدمت بها تركيا لتسليمهم إليها، أصدرت المحكمة العليا فى اليونان قرارا يتيح منحهم حق اللجوء، وجاء القرار بصيغة نهائية تجاه طعن الحكومة اليونانية على قرار قضائى سابق بخصوص منح العسكرى "سليمان أوزقينقجى" حق اللجوء داخل الأراضى اليونانية.
وأكدت المحكمة عدم وجود أدلة كافية تثبت مشاركة أوزقينقجى فى محاولة الانقلاب الفاشلة وانتمائه إلى منظمة الداعية فتح الله جولن، الذى يتهمه الرئيس التركى بالوقوف وراء تلك المحاولة، وبموجب القرار، سيكون بمقدور العسكرى المذكور الحصول على وثيقة سفر من السلطات اليونانية.
النرويج تمنح عسكريين اللجوء السياسى
الوجهة الثانية للجيش التركى كانت النرويج، وهروبا من جحيم أردوغان تقدم 4 ضباط وملحق عسكرى أتراك موظفين فى حلف شمال الأطلسى "الناتو" بطلبات إلى النرويج فى 13 يناير 2017، ووافقت النرويج فى مارس من العام نفسه وأكد محامى الضباط الأتراك كيل م. بريغفيلد، أن إدارة الهجرة فى النرويج وافقت على طلبات، وبموجب القرار حصل الضباط اللاجئون على حق الإقامة والعمل فى النرويج.
فيما رفض الضباط الأتراك الاتهامات الموجهة لهم بالتورط فى تحركات الجيش، وأعربوا عن قلقهم من التعرض للاعتقال فى حال عودتهم إلى تركيا، ورغم ذلك طالب نائب رئيس الوزراء التركى السابق نعمان قورتولموش، النرويج، بتسليم الضباط اللاجئين لتركيا.
وبخلاف العسكريين، يفر المدنيون من بطش النظام، ففى يوليو 2018، أعلنت النرويج أنها رصدت ارتفاعا فى عدد طالبى اللجوء المقبلين من تركيا بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، وقال رئيس إدارة الهجرة بالنرويج فريد فورفانج، إن الكثير ممن تقدموا بطلبات اللجوء قالوا إنهم تعرضوا للملاحقة القضائية فى تركيا على خلفية علاقات مع المعارض المقيم بأمريكا عبدالله جولن.
برلين الأعلى طلبا للهروب بين الأتراك
تقدم فى نوفمبر 2016 عدد من ضباط وجنود الجيش التركى العاملين فى قاعدة تابعة لحلف شمال الأطلسى، جنوب شرقى ألمانيا بطلبات لجوء إلى السلطات الألمانية بعد الإهانة الشديدة التى تعرضت لها المؤسسة العسكرية التركية على يد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، عقب عملية الإطاحة بحكمه فى يوليو العام نفسه.
أسباب عديدة جعلت العسكريون الأتراك يختارون ألمانيا على وجه التحديد، لتقديم طلبات اللجوء السياسى، فى مقدمتها خلاف برلين الدائم مع تركيا ومعارضتها الدائمة لانضمام أنقرة للاتحاد الأوروبى، وإعلان المستشار الألمانية أنجيلا ميركل ذلك بشكل صريح قبل توليها السلطة فى عام 2005، مفضلة أن تكون هناك "شراكة" بين أوروبا وأنقرة، دون ارتقاء مستوى العلاقات إلى درجة "العضوية الكاملة".
ويعد السبب الثانى لإقدام عناصر الجيش التركى على الخطوة الأخيرة هو تبنى المسئولين الأتراك مواقف مناهضة لألمانيا على سبيل المثال الموقف الذى تبناه وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو فى العام نفسه، واتهامه ألمانيا بـ"احتضان" الإرهابيين المعادين لتركيا، ومن بين الأسباب أيضا، إقدام فرانك فالتر شتاينماير الذى كان يشغل منصب وزير خارجية ألمانيا آنذاك على انتقاد النظام التركى، وتنديده فى بيان له بحملات القمع الواسعة التى يشنها نظام أردوغان على الإعلام واعتقال قادة حزب الشعوب الديمقراطى المعارض، فضلا عن استدعاء برلين السفير التركى احتجاجا على تلك الممارسات.
وآخر تلك الأسباب هى معارضة ألمانيا بشدة، إعادة تركيا لعقوبة الإعدام التى ينتوى النظام العمل بها من جديد، والتى علق عليها وزير الخارجية الألمانى، معتبرا أن أى تحرك من جانب تركيا لإعادة عقوبة الإعدام سيخرج جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى عن مسارها، وأضاف أن العمل بعقوبة الإعدام سيمنع إجراء مفاوضات ناجحة بغرض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة