دون مقدمات، أو ذكر أسباب، فاجأت صحيفة النهار اللبنانية قرائها صباح اليوم الخميس، بالصدور بسبع أوراق بيضاء، ما فتح بدوره العديد من التساؤلات فى أوساط الصحافة اللبنانية والعربية.
وتزامن صدور الصحيفة اللبنانية فى نسختها الورقية بهذا الشكل مع تخصيص مساحات بيضاء بشكل لافت فى أقسام موقعها الإلكترونى دون توضيح من قبل إدارة تحريرها.
وفى تعليق على عدد النهار التى تصدر منذ 80 عاما، قال حزب القوات اللبنانية فى موقعه الإلكترونى الرسمى إن الخطوة ربما تهدف إلى توصيل رسالة عن الصعوبات التى تواجهها الصحافة الورقية فى الوقت الراهن.
وتواجه الصحف اللبنانية أزمات مالية تهدد بقائها لاسيما بعد تراجع عدد الصحف اليومية الصادرة فى بيروت إلى 8 فقط.
وفى تصريحات نشرتها وسائل إعلام لبنانية، قال وزير الإعلام اللبنانى ملحم رياشى، إن الأزمات المالية تتفاقم وتزيد من التحديات أمام الصحف الورقية، لاسيما أن توقف "دار الصياد" عن إصدار مطبوعاتها ليس الأول، ولا شيء فى الأفق يشير بأنه الأخير المنضم إلى سلسلة المطبوعات التى توقفت قسرا عن ملاقاة قرائها فى بيروت والعالم العربى.
وأكد رياشى أن "الوزارة تعمل إلى جانب مسؤولى الصحف ومختصين من أجل دعم الإعلام المكتوب من خلال سلسلة اقتراحات قوانين ستقدم للبرلمان، ولذلك كان قرار تشكيل لجنة تضم المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة وأصحاب الصحف، ومستشارين لتقديم الاقتراحات التى لا تكلف خزينة الدولة أعباء مالية، لأنها تقوم على تقديم الإعفاءات للصحف".
ومن أبرز تلك المقترحات تشريع الإعفاءات الجمركية للورق والمعدات التى يستخدمها أصحاب الصحف لإصدار مطبوعاتهم، وكذلك إعفاء وسائل الإعلام المكتوبة من رسوم الهاتف والكهرباء وغيرها.
وخطورة الوضع الذى يهدد الصحافة الورقية استدعى تحركات عاجلة لوزارة الإعلام ونقابتى الصحافة والمحررين خصوصا أن الأزمة مرشحة للاتساع.
ولعل أبرز الغائبين عن القراء كانت صحيفة "السفير" التى بدأت فى الصدور عام 1974 وظلت لعقود "صوت الذين لا صوت لهم"، و "جريدة لبنان فى العالم العربى، وجريدة العالم العربى فى لبنان"، إلى أن غابت ذات صباح آخر العام 2016، وقبل "السفير".
كما غابت صحيفة "البيرق" التى تأسست عام 1911 وصدرت لنحو 90 عاما، وكذلك انطفأت أنوار جريدة "الأنوار" التى كانت تصدر عن "دار الصياد" منذ أكثر من نصف قرن، وأيضا توقفت جريدة "البلد"، وغابت طبعة "الحياة" عن بيروت، وكذلك "الاتحاد"، وقبلهما "النداء"، وغيرها.
أما أقدم الصحف فى لبنان وبحسب دراسة لوزارة الإعلام فأن "حديقة الأخبار" التى أصدرها خليل الخورى (1836 – 1907) فـى بيروت مطلع يناير 1858 تعد أم الصحف العـربية وأول دورية سياسية غير رسمية، وآخر صحيفة لبنانية لا تزال تصدر يوميا فهى "الجمهورية" التى تأسست عام 1924 وعاودت الصدور عام 2012، مع الإشارة إلى أن جريدة "الاتحاد" التى عاودت الصدور لفترة وجيزة عام 2017، علما أنها تأسست قبل أكثر من 100 عام.
وأكد رياشى أن "الصحافة الورقية هى الخزان الاستراتيجى لكل الإعلام، المرئى والمسموع والرقمى، وتعرض هذه الصحف لأى عطب يعنى تعرض كل الإعلام لعطب، لذلك علينا الوقوف بعضنا إلى جانب بعض فى هذه الأزمة، واليوم لدينا عمليا 8 صحف تصدر يوميا، وهى فى خطر حاليا".
وأوضح أن الصحافة الورقية فى لبنان بدائرة الخطر، ولذلك كان لوزير الإعلام بعض الاقتراحات التى سيعمل على إنجازها بمساعدة وزارة الإعلام والمسئولين اللبنانيين، لاسيما أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أعرب عن أسفه لما آلت إليه حال الصحافة الورقية فى لبنان مؤخرا، بعدما كانت رائدة، وشكلت صورة مشرقة لعقود حفلت بأقلام كتاب وصحافيين جعلت من لبنان وطن الحقيقة والكلمة، ورفعت الصحافة إلى مرتبة السلطة الرابعة، معتبرا أن "الحرية الإعلامية شكلت الرأى العام فى لبنان وعرفت كيف تجعل منه حكما ومشاركا فى بناء الوطن".
وشرح رياشى أبرز الاقتراحات التى ستساهم فى دعم الإعلام المكتوب ومنها "مشروع الضمان الاجتماعى أى أن تتحول الدولة إلى صاحبة العمل للصحف، وعندها تتحمل الدولة الأعباء المالية ولو بشكل مؤقت".
ولفت إلى أن المساعدات التى ستقدمها الحكومة للصحف ستكون على شاكلة إعفاءات جمركية وإعفاءات من رسوم معينة مع شرط انتقال الصحيفة إلى الإعلام الرقمى خلال فترة زمنية تتراوح بين عامين إلى 3 أعوام لتتحول الصحف إلى الإعلام الرقمى على غرار بعض الصحف العالمية.
ويذكر أن وزير الإعلام الحالى ومنذ تسلمه وزارة الإعلام قدم مشاريع قوانين عدة، جزء منها لدعم الإعلام المرئى والمسموع وجزء لدعم المطبوع وجزء لدعم الإعلاميين، وأبرزها قانون نقابة المحررين الذى استحدث وأصبح قانونا مميزا وحديثا جدا، موضحا "نجحت فى تقديم كل هذه المشاريع، ولكنى فشلت فى أن تكون على جدول أعمال مجلس الوزراء، وهى موجودة حاليا فى الأمانة العامة لمجلس الوزراء".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة