"إذا فتحت أبواب خير فأقبلوا موائد أهل الله خير الموائد" هكذا قال العارف بالله الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى أحد مشايخ الصوفية فى حديثه عن فضل الاحتفال بموالد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، محبة آل البيت جزء أساسى فى تكوين المصريين، فمعظم آل بيت النبوة استقروا فى مصر المحروسة ودفنوا فيها، وتعلق المصريين بمقاماتهم من شدة حبهم لهم ولجدهم "المصطفى"، حيث يحرص آلاف المصريين على إحياء موالدهم التى يجدون فيها الفرح الذى ينسى البسطاء همومهم ويبعث فى قلوبهم السرور.
ومن بين الموائد التى فتحت أبوابها ، مائدة الاحتفال بمولد شيخ العرب السيد البدوى الذى يعد ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى الطرق الصوفية، ولد السيد البدوى بمدينة فاس المغربية سنة 596 هـ/1199 م وكان سادس إخوته، وهاجر مع أسرته فى عام 1206 من فارس إلى مكة فى رحلة استغرقت حوالى أربع سنوات، وقد مروا بمصر فى طريقهم وعاشوا فيها فترة ثلاث سنوات، كما طاف شمال العراق وجنوبه، وبعد مرور عام قضاها البدوى فى ربوع العراق، عاد إلى مكة، فى نفس عام عودته إلى مكة، قرر البدوى الرحيل إلى مصر، وبالتحديد إلى طندتا "وهى طنطا حاليا".
السيد البدوى يعد ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى الطرق الصوفية، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء، أطلق عليه العديد من الألقاب من بينها البدوى لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية وسمى بشيخ العرب والسطوحى وأبا فراج.
يُنسب إلى السيد البدوى العديد من الكرامات، أشهرها ما يتداوله العامة أنه كان ينقذ الأسرى المصريين من أوروبا الذين تم أسرهم فى الحروب الصليبية، ولذلك انتشرت مقولة فى التراث الشعبى المصرى هى "الله الله يا بدوى جاب اليسرى" أى أن البدوى قد جاء بالأسرى.
و عن كرامات السيد البدوى أيضا ،حكى إمام الدعاة، الشيخ الراحل، محمد متولى الشعراوى،خلال حواراته الصحفية من قبل و التى دونت فى كتاب بعنوان "أنا من سلالة أهل البيت" ،إنه كان للسيد البدوى كرامات كثيرة حدثت معه و من بينها أنه فى عام 1948 و أثناء سفره من بلده دقادوس الى القاهرة و بعد نزوله لمحطة بنها لأخذ القطار المتجه الى القاهرة فوجئ بعدم وجود "الريال الفضة " الذى أعطاه له والده ،مما جعله يشعر بالضيق انذاك لأنه لم يكن معه غيره، و أنه وقف حزينا وأثناء وقوفه اذا برجلا مرتديا عمامة حمراء قادم من بعيد و قال لنفسه :" لعل هذا الرجل الأحمدى ينقذنى ! فالعمامة الحمراء يرتديها عادة شيوخ و أتباع الطريقة الأحمدية ،طريقة سيدى أحمد البدوى ،كنت أتصور أن الرجل سوف يبطئ من خطواته و لكن مر من أمامى و لم يلتفت لى و ازداد ضيقى و قلقى و حزنى ووجدت أقول لنفسى إيه يا سيدى أحمد ! أنا كنت باحسب إنك باعت لى نجدة ! ".
و إستكمل الشيخ الشعراوى :" وقبل أن أتمها لمحت على الأرض فى وسط الطريق "ريال فضة "، فأسرعت و أخذته و فرحت كثيرا و توجهت الى القطار و ركبته الى القاهرة ونسيت هذه المسألة بعد ذلك ومرت الأيام و بعد سنتين من هذه الحكاية سافرت للعمل فى مكة المكرمة و بعد عودتى الى مصر لقضاء الأجازة بصحبة والدتى و كالعادة ركبنا الى بنها على أن نأخذ مواصلة الى بلدنا و فى محطة بنها وقفت مع أمى نستريح قليلا و فجأة لمحت الرجل الأحمدى صاحب العمامة الحمراء و تذكرت حكاية "الريال الفضة "،كان الرجل يقف بعيدا و أستأذنت من والدتى و أسرعت و أخذت يده لأقبلها و هو مشغول عنى ووضعت يدى فى جيبى أخرجت عشرة جنيهات وهى مبلغ كبير فى ذلك الوقت و قدمتها له ،وفوجئت به يبعد يدى عنه دون أن ينظر الى و يقول أنا عايز "الريال الفضة " بتاعى ..و أنصرف و اندهشت ".
توفى البدوى يوم الثلاثاء الموافق 12 ربيع الاول 675 /24 أغسطس 1276 بمدينة طنطا عن عمر يناهز 79 عاما، وخلفه من بعده تلميذه عبد العال، وبنى مسجده وكان فى البداية على شكل خلوة كبيرة بجوار القبر، ثم تحولت إلى زاوية للمريدين، ثم بنى له على بك الكبير المسجد والقباب والمقصورة النحاسية حول الضريح.
ويحرص أبناء الطرق الصوفية على إقامة احتفالان لمولد السيد البدوى أحدهما فى شهر أبريل يسمى بالمولد الرجبى، والآخر فى أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذى يُعد أكبر الاحتفالات الدينية فى مصر على الإطلاق، حيث يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من 2 مليون زائر فى المتوسط خلال أسبوع،وافتتح أبناء الطرق الصوفية اليوم الجمعة مولد شيخ العرب على أن تستمر الاحتفالات حتى الخميس القادم .