فى 13 أكتوبر لعام 2016 فاز الأمريكى بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب، وهو الأمر الذى كان بمثابة صدمة لجموع المثقفين فى أنحاء العالم، خاصة أنه لم يعرف فى الأوساط الثقافية ككاتب، بل عرف عنه عقب منحه الجائزة أنه مغنى وملحن وشاعر وفنان أمريكى، ولد فى 24 مايو 1941.
الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة نوبل للآداب، كان لها رأى آخر، فى منح بوب ديلان أشهر جائزة أدبية فى العالم، حيث قالت: إن بوب ديلان "خلق تعابير شعرية جديدة فى الأغنية الشعبية الأميركية".
وعلى الرغم من الهجوم الذى تعرضت له الأكاديمية السويدية، سواء من المثقفين العرب، أو الأجانب، على هذا القرار، إلا أن كتبا سبق وأن صدرت للمغنى بوب ديلان، حظيت باهتمام الناشرين، وفى عالمنا العربى، فإن موعد الإعلان عن جائزة نوبل للآداب، يعد موسما خصبا للمنافسة فيما بينهم، ومن يحصل على حقوق ترجمة أعمال الفائز بالجائزة.
وبعد مرور عامين على فوز بوب ديلان بالجائزة الأشهر فى العالم، فإن السؤال الذى يطرح نفسه، ما نعرف عنه نحن العرب؟، ومن هنا، فإن الإجابة على هذا السؤال، تتمثل فى عدد الكتب التى تمت ترجمتها إلى اللغة العربية.
ومنذ فوز بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب، صدر عن دور النشر العربية، ترجمة لكتاب بعنوان "أخبار الأيام"، عن دار روايات، التابعة لمجموعة كلمات فى الشارقة، فى دولة الإمارات العربية المتحدة، والذى نقله إلى اللغة العربية، المترجم عبد الوهاب أبو زيد، وفى مصر، صدرت ترجمة كتاب "أطرق أبواب السماء"، والذى نقله إلى اللغة العربية المترجم الحسين خضيرى، والصادر عن دار مصر العربية للنشر، ودار بردية للنشر، متضمنا دراسة للناقدة الدكتورة هويدا صالح، بعنوان "مفارقات جمالية وأيديولوجية فى شعر بوب ديلان".
لكن من خلال الكتاب الثانى، فإن أول ما نعرفه نحن العرب، عن بوب ديلان، المولود لأبويين يهوديين، أنه يمثل موقفًا كبيرًا للتناقض فى أعماله، فبين دعمه للمهمشين والمضطهدين وضحايا الحروب والتفرقة العنصرية، يؤيد وبقوة الكيان الصهيونى ويصفه فى أحد قصائده بـ"بفتوة الحى صانع الجنة"، وأن كل حضارة وإمبراطورية استعبدته زالت مثل مصر وروما وبابل.
ومن خلال الدراسة التى قدمتها الدكتورة هويدا صالح، نعرف أنه فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات بدأ بوب ديلان بالبحث عن يهوديته، فزار فى عيد ميلاده الثلاثين إسرائيل وفكر فى إمكانية الانتقال للعيش فى "كيبوتس" وهو من أشكال الاستيطان الصهيونى.
وفى 1982 عاد "ديلان" إلى إسرائيل، وبدأ يتلقى تعاليمه على يد حركة "حباد من بروكلين"، وكتب كلمات ألبومه الأشهر "الملحدون"، وفيه قصائد يدعم فيها إسرائيل بشكل مباشر، بل يظهر فى الغلاف الداخلى للألبوم راكعًا على "جبل الزيتون"، أحد الصور الذهنية للتصور الصهيونى للدولة العبرية، بالإضافة لصوره بجوار "حائط المبكى"، وقدم حفلات فى إسرائيل فى الأعوام 1987، 1993، 2011.
كما قدم بوب ديلان حفلاً فى "تل أبيب" 2014 مع فرقة رولينج ستون، ودافع عن "إسرائيل" بعد عدوان 1982 على لبنان بأغنية "فتوة الحى" 1983:
"نعم، فتوّة الحى مجرد رجل.
يقول أعداؤه إنه يحتل أرضهم،
وهم يفوقونه عدداً: مليون مقابل واحد.
فلا يمكنه الهروب أو الركض إلى أى مكان.
إنه فتوة الحى.
كل إمبراطورية استعبدته زالت،
مصر وروما، وحتى بابل العظيمة
وها هو قد صنع من رمال الصحراء جنّة".
وفى 2015 كان وزير التعليم الإسرائيلى "نفتالى بينيت" يقود حملة يحث فيها الإسرائيليين على التوقف عن الاعتذار عن دفاعهم عن أنفسهم، مرددًا مقطعًا من أغنية "ديلان"، يقول:
أزال حبل مشنقة فانتقدوه
دافع عن نساء عجوزات اتهموه وقالوا
إنه يجب أن يعتذر
ثم دمر مصنع متفجرات
ولم يمتن لذلك أحد
المتفجرات كانت له
لكنه كان يجب أن يشعر بالسوء لفعلته
ولكنه فتوة الجوار.
لقد كتب بوب ديلان، الأغنية المتمردة، وصار رمزًا لجبهة ثقافة الرفض، وأيقونة للمهمشين والمضطهدين، وضحايا التفرقة العنصرية، والحروب، وقد لاقت أشعاره وأغانيه رواجًا لم يلقه سواه، فمنذ ألبومه الأول عام 1962، إلى الآن باع أكثر من مائة مليون أسطوانة، واختيرت بعض أغانيه ضمن أحد أهم مائة أغنية على مدى التاريخ الإنسانى.
غير أن بوب ديلان، كما تقول الدكتور هويدا صالح فى مقدمتها، الذى جاء من أبوين يهوديين مهاجرين من أوكراينا، والذى ناصر المضطهدين والمقهورين وضحايا الحروب، لم يستطع أن يترفع عن عنصريته ضد العرب عامة والفلسطينيين على وجه الخصوص، فلم يحرك الثائر المتمرد الذى دافع عن ضحايا حرب فيتنام، والمقهورين وضحايا التفرقة العنصرية، ساكنًا تجاه ضحايا المذابح التى ارتكبتها إسرائيل ومازالت ترتكبها ضد الفلسطينيين.