صالح المسعودي : من جعبة أسفاري " الجمل القائد "

السبت، 13 أكتوبر 2018 12:00 م
صالح المسعودي  : من جعبة أسفاري  " الجمل القائد " جمال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عاشق من نوع خاص ، فلا أكاد أصدق كل هذا الغزل الذي يربط صديقي المهندس الذي تربى في ريف مصر الجميل بمعشوقته فهو لا يعشق إنسية مثله ، بل يعشق نوع معين من الحيوانات هي ( الإبل ) فقد أجبرني إلحاحه علي بأن أرافقه  مرات عديدة ليدفعني  للسفر معه إلى جنوب البلاد وتحديداً إلى حلايب وشلاتين وبعد عناء منه وتأجيل مني قررت أخيراً أن أرافقه ، فقد أغرتني تلك الأوصاف التي منحها صديقي لهذا المكان البعيد ، وستقلنا سيارته القديمة بعض الشيء لكنه قد أعدها إعداداً جيدًاً إلى جدٍ ما  فهو يعرف بُعد المسافة وإرهاق السفر والأمر لا يحتاج بالتأكيد لعطل يجعل من السيارة أداة للتعطيل بدلاً من أن تكون أداة للتعجيل ، لكن الرجل طمأنني بأن كل شيء على ما يرام

 

انطلقنا في الفجر من شرق القناة حتى عبرنا قناة السويس مع الصباح الرائع ونسماته التي تجلب الصحة قبل الرزق فقد جعلنا لرحلتنا أهدافاً واضحةً منها استكشاف الأماكن التي نمر بها، ولمَ لا ؟ فمصر تبوح بخيراتها في كل شبر فيها وما عليك إلا أن تتحرك فقط في ربوعها ولا تتثاقل إلى الأرض ، فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضةً ، فبدأنا رحلتنا في اتجاه واحد هو الجنوب متخذين من البحر الأحمر دليلاً لنا فقد رافقناه من السويس حتى شلاتبن ، فكم هي جميلة بلدنا لو أحسنا الاستفادة من خيراتها ، فكم كانت أحزاني تتوالى وأنا أشاهد كل تلك المليارات التي أهدرت في الكتل الخراسانية التي ضاعت على طول الطريق المؤدي إلى جنوب مصر فقد تم جمع المليارات ووضعها في شكل مباني فارغة غير مستغلة الاستغلال الأمثل

 

بدأ صديقي يحادثني عن مضمون سفرته هذه وأنه ورغم عبقريته وتعليمه العالي إلا أنه يحلم أن يقتني الإبل وقد أراد مرافقتي معه لخبرتي في هذا المجال لأني وعلى حسب وصفه أقطن في منطقة من ضمن نشاطها تربية الإبل والاعتناء بها فهي عندنا بالتأكيد سفينة الصحراء التي لا تتأثر بزيادة أسعار الوقود ، وبدأ صديقي يعدد لي مميزات الإبل وألبانها بل وأبوالها وكيف أن لحمها لا يوجد به ( كولسترول ) ذاك الداء اللعين الذي أضر بصحة الناس في كل مكان بسبب سوء التغذية

 

ولكن صديقي يتحدث من خلال معلومات استقاها من القراءة عن الإبل ولم يتعامل معها على الطبيعة ، ويستطرد صديقي مكملاً حديثه  كيف أنه لابد من وجود قائد لقطيع من الإبل فهو يمثل الأب والأخ والزوج وعليه تفقد رعيته وحمايتهم والتدخل في الوقت المناسب ، وبدأت أنتبه لقول صديقي وتعجبت من هذا الإصرار الذي يبديه صديقي في جمع كل تلك المعلومات رغم أنه تربى في الريف وليس في البادية التي تمثل الإبل لهم شيء مهم فيكفيها فخراً أن جعلها ربي مثلاً حين قال ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )

 

وصلت وصديقي بعد حوالي أثنى عشرة ساعة  تقريباً إلى شلاتين وفي إرهاق شديد جمعنا كل قوانا في البحث عن مكان يحتوينا لنبيت ليلتنا بعد عناء السفر وما أن وصلنا إلى الفندق حتى ذهبنا في رحلةٍ من النوم العميق ، وكانت إفاقتنا في الفجر فلسنا على استعداد لتضييع وقتنا في النوم ، وتحركنا فوراً نحو سوق الإبل الكبير في شلاتين ، وكنت قد اتصلت بأحد أصدقائي من أبو رماد ليرافقني داخل شلاتين

 

ترجل صديقي من السيارة برفقة صديقي الآخر من أهل المكان وتعطلت أنا بسبب اتصال جاءني على هاتفي الجوال فجلس أصدقائي مع أحد التجار على الأرض وبقيت أنا في السيارة أراقب المكان فمازلت أعاني من إرهاق سفر أمس حيث أنني من كان يقود السيارة ، ولكن لفت انتباهي منظر عجيب حيث كنا نقف بجوار ( كشك خشب ) وبجوار أصدقائي ورفقتهم ( يبرك جمل وبجواره ناقة ويقف قعود ) والقعود هو صغير الجمل الذكر والأنثى تسمى ( بكرة ) وتحرك القعود وقام بالدوران حول الكشك والاختفاء عن أعين الجمل الكبير والناقة الأم

 

بدأ الجمل يتململ ويرفع رأسه لأعلى كأنه افتقد شيئاً مهماً وبدأ يتلفت وأنا أراقب عن كثب ما يحدث ، وإذا بالجمل يقف ويتحرك باحثاً عن القعود حتى يجده خلف الكشك فيقترب منه ويدفعه بلطف ليعيده إلى مكانه بجوار أمه ثم يعاود الجمل لمكانه ليبرك بجوار الناقة وكأن شيئاً لم يحدث ، كان منظراً بديعاً تمنيت ساعتها أن أكون ذو خبرة في توثيق مثل هذا المشهد العجيب وأيقنت ساعتها أن صديقي كان محقاً .

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة