فى الوقت الذى يمثل فيه القرار التركى بإطلاق سراح القس الأمريكى أندرو برانسون، انتصارا كبيرا للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وهو ما بدا واضحا فى حرصه على استقبال القس المحتجز لما يقرب من عامين فى أنقرة، إلا أنه يمثل فى الوقت نفسه صفعة قوية للجانب الإيرانى، حيث أصبحت طهران بمثابة الدولة الوحيدة التى تتبنى موقفا عدائيا صريحا تجاه واشنطن، على إثر الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى فى مايو الماضى، وما ترتب على ذلك من عقوبات اتخذتها الإدارة الأمريكية تجاه طهران إثر تعنتها تجاه المطالب الأمريكية.
الخضوع التركى للولايات المتحدة، بالإفراج عن القس الأمريكى يمثل انعكاسا صريحا لفشل دبلوماسية طهران، والتى قامت على إثارة الانقسامات بين أمريكا وحلفائها فى مختلف مناطق العالم، ربما لتأسيس تحالف مناوئ لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وهو ما بدا واضحا فى الدعم الإيرانى للموقف التركى فى قضية القس الأمريكى، وكذلك محاولات طهران لاستغلال الخلافات الأوروبية الأمريكية على خلفية الانسحاب الأمريكى من الصفقة النووية، بالإضافة إلى قضية التعريفات الجمركية.
ترامب استقبل القس الأمريكى فى البيت الأبيض بعد وصوله للولايات المتحدة
الصفعة الأولى.. كوريا الشمالية أول من تخلت عن طهران
ولعل الموقف التركى لا يمثل الصفعة الوحيدة التى تلقتها طهران من شركائها الدوليين، فقد كان نظام كوريا الشمالية هو صاحب السبق فى التقارب مع الولايات المتحدة، حيث كان التقدم الكبير فى العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية على خلفية القمة التى عقدها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع نظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون، هو بمثابة انهيار التحالف النووى الذى شكلته الدولتان لسنوات طويلة، ليمثلا معا تهديدا صريحا للمجتمع الدولى، وتحديا صارخا للإدارات الأمريكية.
التقارب الأمريكى الكورى الشمالى كان صفعة أولى لطهران
ويعد التقارب الأمريكى الكورى الشمالى مزعجا للنظام الإيرانى بصورة كبيرة، خاصة وأنه تزامن مع انقلاب إدارة ترامب على الصفقة النووية التى عقدها سلفه باراك أوباما مع طهران، وهو الأمر الذى دفع نظام "الملالى" إلى تحذير السلطات الحاكمة فى بيونج يانج من جراء تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها، فى محاولة صريحة لتقويض الجهود التى تبذلها إدارة ترامب، لتحقيق انتصار دبلوماسى من شأنه ترجيح كفته قبل انتخابات التجديد النصفى المزمع عقدها فى نوفمبر المقبل، إلا أن المحاولات الإيرانية لم تفلح فسارت المفاوضات الأمريكية الكورية على طريقها رغم التحديات التى واجهتها بين الحين والآخر ليتم الإعلان مؤخرا عن قمة جديدة مرتقبة بين ترامب وكيم، ولكن لم يتم تحديد موعدها حتى الآن.
ملف السجناء.. القس الأمريكى يوجه الأنظار نحو السجناء الأمريكيين بإيران
التنازل الذى قدمه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ربما لا يقل فى تداعياته على طهران عن التداعيات التى تركها التقارب الأمريكى الكورى الشمالى، فالإفراج عن القس الأمريكى يمثل انتصارا جديدا لترامب ربما يدفعه نحو ممارسة المزيد من الضغوط على طهران لدفعها نحو الخضوع لرغباته، كما حدث مع تركيا، خاصة وأن مسألة السجناء كانت تمثل أحد نقاط النزاع المشتركة بين طهران وأنقرة من جانب وواشنطن من جانب أخر، حيث أكد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إبان الانسحاب من الاتفاق النووى فى مايو الماضى أن الإفراج عن السجناء الأمريكيين فى سجون طهران هو أحد الشروط لإبرام اتفاقية جديدة.
ترامب وميلانيا حرصا على استقبال السجناء الأمريكيين العائدين من كوريا الشمالية
وتعد مسألة السجناء الأمريكيين فى الخارج، وخاصة القابعين فى سجون الدول المناوئة للولايات المتحدة، بمثابة أولوية كبيرة لدى إدارة ترامب، حيث كان الإفراج عن السجناء الأمريكيين فى كوريا الشمالية بمثابة شرط أمريكى لانطلاق المفاوضات، والتى شهدت تقدما سريعا فى الأشهر الماضية، كما أن قضية القس الأمريكى كانت بمثابة القشة التى قصمت العلاقات التركية الأمريكية لشهور طويلة، على إثر خلافهما فى العديد من القضايا الأخرى، وعلى رأسها الدور المشبوه الذى تلعبه تركيا فى سوريا، وبالتالى فأن الإفراج عن السجناء الأمريكيين فى طهران ربما تكون بمثابة شرط أمريكى إذا ما أرادت طهران الدخول فى مفاوضات مع الولايات المتحدة، لاحتواء العقوبات فى المرحلة المقبلة، والتى ربما تترك أثارا عميقة على الاقتصاد الإيرانى.
الرهان الإيرانى.. هل تواصل طهران تعنتها تجاه المطالب الأمريكية؟
وهنا يصبح رهان الدولة الفارسية على الموقف التركى المتعنت من الولايات المتحدة على خلفية قضية القس الأمريكى تعكس عدم إدراك لطبيعة المواقف التركية، والتى ترتبط فى مجملها بالشعارات الرنانة، بينما فى النهاية يتجه الرئيس التركى نحو تقديم التنازلات، وهو ما بدا واضحا فى مواقف عدة، لعل أبرزها الموقف التركى الرافض للاعتذار عن إسقاط الطائرة العسكرية الروسية فى الأراضى السورية قبل ثلاثة سنوات، إلا أن العقوبات الروسية آنذاك دفعت أردوغان للاعتذار بل والدخول كطرف فى مباحثات "استانا"، مع كلا من روسيا وإيران، فى تخل صريح عن حلفائه الأصليين من أعضاء حلف شمال الأطلسى "ناتو"، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
وهنا يبقى التساؤل عما إذا كانت إيران سوف تمضى قدما فى نهجها المتعنت تجاه الإدارة الأمريكية، رغم الضغوط المتوقعة، على خلفية نجاح الدبلوماسية نفسها مع تركيا، فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتأججة فى الداخل الإيرانى، والأوضاع الاقتصادية المنهارة فى المرحلة الراهنة، أم أنها ستضطر هى الأخرى لتقديم التنازلات لصالح ترامب، وهو ما سوف يصب فى النهاية فى صالح الرئيس الأمريكى، خاصة فى المرحلة الحالية، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى المقررة فى نوفمبر المقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة