"أيها الحب فلا تنـس دعاء بالدوام/وتعاويذ لقلبينا لصد أو سآم/ أو فعوذها ودعنى لتعاويذ غرامى وإذا شئت فعوذنى من فرط هيامى ومن اللهفة تطغى فى فوادى كالضرام! واجعل الدنيا سلاما وارو يا حب أوامى!"، إذا كنت من محبى أبيات الشعر الغرامية، فربما تتصور الأبيات السابقة لشوقى أو رامى أو نزار، لكن هل تتصور إن هذه الأبيات لأحد أهم قيادات الجماعة الإرهابية الفكرية!.
الأبيات السابقة، فيما تحمل من غرام وولع وهيام، هى حد أشعار القيادى الإخوانى السابق، والأب الروحى للعديد من الأفكار المتطرفة لدى عناصر الجماعة الإرهابية فى العقود الأربعة الأخيرة، وبالنظر إلى تاريخ قيادات الجماعة، نرى تحولا كبيرا فى أفكارهم وميولهم، من حياة الأدب والفن إلى التطرف، وتبنى الأفكار الظلامية.
سيد قطب
سيد قطب، القيادى الأبرز فى تاريخ الجماعة الإرهابية فى الخمسينيات والستينيات، وأحد أكثر الشخصيات تأثيرا فى الجماعات المسلحة فى تلك الحقبة، له تجربة روائية واحدة، بعدما نشر رواية قصيرة بعنوان "أشواك" عام 1947، وهى رواية تدور فى إطار رومانسى، حول شاب متقدم فى العمر يتقدم لخطبة فتاة، على الطريقة التقليدية، ويكتشف أنها مرتبطة بشاب آخر، وعندما يقرر أن يتركها من أجل الارتباط من هذا الشاب، اكتشف أنه يحبها وهى أيضا، لكن الشكوك وغيرته الزائدة فرقت بينهم، وظلت الأشواك فى قلبه، تمغص عليه حياته.
الرواية التى تدور فى إطار من الرومانسية والحب والولع هى تكملة لسلسلة من الأشعار الرومانسية للقيادى الأبرز فى الجماعة، بعد مؤسسها حسن البنا، فكانت له تجاربه الكبيرة فى الشعر العاطفى، فيكفى أن تبحث على محرك البحث الشهير "جوجل" بـ"أشعار سيد قطب" لتجد أشعاره على موسوعة الشعر العربى "أدب" ملئ بالقصائد الرومانسية والعاطفية.
النقد الأدبى أيضا كانت له تجارب كبيرة فى حياة "قطب" فيكفى أن الرجل أول من كتب عن "نجيب محفوظ" وأشاد بموهبته، من خلال مقال نقدى عن صاحب نوبل نشر فى مجلة الرسالة 1944.
كما ذكر الكاتب الصحفى الكبير حلمى النمنم، وزير الثقافة السابق، فى كتابه "سيد قطب وثورة يوليو"، إن القيادى الإخوانى، كان أحد المدافعين باستبسال عن الأديب الكبير عباس العقاد، فى معركته مع الرافعى، وحدث أن أحد أنصار الأخير، أدخل الدين طرفا فى دفاعه، فرد عليه سيد قطب مطالبا بتنحية الدين بعيدا عن هذه القضايا، وهذا ما دعا البعض إلى اعتباره علمانيا فى تلك المرحلة.
أما عن التحول الفكرى الكبير فى حياة سيد قطب، فأكد النمنم أن التحول الفكرى لم يكن غريبا عليه، فشخصيته منذ وقت مبكر بها جذور التطرف والنزعة الأحادية، وقد توقف معظم الباحثين أن هذا التحول مرتبطا برحلته إلى الولايات المتحدة، وهى الرحلة الذى عاد منها متحول الأفكار تماما، وهو أشار إليه أيضا الكاتب عزيز الحاج فى مقال بجريدة إيلاف العراقية، مشيرا إلى تحوله يعد إشكالية كبيرة.
الطريف أن عددا كبيرا من النقاد تناول أشعار وكتابات "قطب" الأدبية، ومنها روايته، على أنها سطحية، وتفتقد للأسلوب الفنى، وهو ما فسر البعض تحول الرجل من مشروع أديب إلى إرهابى، بسبب فشله وعدم تحقيقه أى نجاح على المستوى الإبداعى.
حسن البنا
مؤسس الجماعة حسن البنا نفسه اشترك فى تأسيس فرقة مسرحية مع شقيقه عبد الرحمن، وحسب ما يذكر كتاب "الشجرة الطيبة" للكاتب عبد الحليم الكنانى، فإن البنا إسس فرقة مسرحية، كانت تضم عبد المنعم مدبولى وعبد المنعم إبراهيم، وتعرض عروضا على دار الأوبرا ومسرح الأزبكية، وهو أيضا ما تناوله أحد الباحثين فى كتاب يؤرخ لتلك المرحلة، موضحا إن العروض لم تكن إسلامية فقط، فقد افتتح عروضه بعرض مسرحية رومانسية بعنوان "جميل بثينة" وضمت فرقة البنا المسرحية فى ذلك الوقت أيضا: سعد أردش وإبراهيم الشامى ومحمد السبع والفنانة فاطمة رشدى وبعض الفنانين المعروفين الآن وبعض الكتاب مثل فهمى هويدى، لكن أيضا يبدو الفشل كان مصاحبا لفكرة البنا، الذى أراد تحول الفن من رسالة إنسانية إلى حلقات وعظية، تحمل أفكارهم المتطرفة.
وفسر الباحث أسباب فشل التجربة الفنية تلك، معتبرا أن الخطاب الإخوانى تأثرا بشكل واضح بالخطاب السلفى المتشدد، وساعد على ذلك سفر عدد كبير من مفكريهم إلى الخليج، وتأثرهم الإجواء الوهابية هناك، بالإضافة إلى انتعاش البلاد فى تلك الفترات بالفكر السلفى، ومحاولة العديد من أبناء الجماعة للوصول لنص ابن تيمية، لأسكات الأصوات المعارضة داخل الإخوان.
عمر التلمساني
المرشد الأسبق عمر التلمسانى أيضا كانت له تجاربه فى الشعر والموسيقى، فالمرشد السابق كتب فى مذكراته "ذكريات لا مذكرات" وذكرت أيضا فى كتاب "عمر التلمسانى من التانجو فى عماد الدين إلى زعامة الإخوان": قرأت البؤساء وكل ما كتبه المنفلوطى وبكيت بحرارة مع مآسيه كنت نهما فى القراءة ورغم كل هذا العشق للأدب لم أستطع أن أكون أديبا أو موسيقيا رغم حبى للموسيقى وعزفى على العود لسنين ولم أستطع أن أكون شاعرا رغم كل محاولاتى الفاشلة وعرضت ما أكتب من الشعر على بعض الشعراء فقالوا لى إن ما تكتبه كلام مسجوع فى أبيات وليس شعرا ، وكان آخر بيت شعر كتبته :خضعت لوحى قريحتى الأشعار.. ورنت إليها الغُرّد الأطيارُ.
وهو الأمر الذى لم يرض متشددو الجماعة وفقا للإعلامى أحمد المسلمانى فى كتابه "الجهاد ضد الجهاد" مشيرا إلى أن المرشد السابق كان يحب الرقص والموسيقى وحبه للأنطلاق فى الحياة.
لكن فيما يبدو من واقع هذه التجارب الفاشلة أن الرجل تحول من محب للموسيقى، لمرشد لأكبر جماعة متطرفة فى العصر الحديث، فيكفى أن الرجل دخل فى خلافات مع نظام السادات، وكانت جماعته من ضمن المتورطين فى مقتل الزعيم الأسبق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة