قال الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري إن عالمنا الإسلامى يواجه العديد من التحديات التي تتنوع وتبدأ من الحصول على الموارد المائية بدرجة كافية إلى إدارتها بشكل متكامل لأغراض عديدة مثل توفير مياه نظيفة للشرب والاستخدام فى الزراعة لتوفير الأمن الغذائى ومكافحة المجاعات، ثم إلى التخلص من المياه المستخدمة والصرف الصحى بشكل آمن بيئيا للمحافظة على الصحة العامة، بخلاف المخاطر الطبيعية التى تحدث فجأة أو نتيجة ظروف حتمية لا حيلة فيها مثل السيول والفيضانات والمجاعات وما يترتب على ذلك من الأمراض والأوبئة.
وأوضح عبد العاطي في كلمته خلال مؤتمر دول التعاون الإسلامي المنعقد بأسبوع القاهرة للمياه، أنه من أبرز التحديات التي تواجه عالمنا المعاصر التغيرات المناخية وما يستتبعها من غرق الأراضي المنخفضة عن منسوب سطح البحر مع تباين معدلات وأماكن وتوقيت سقوط الأمطار التي تؤدي لسيول مدمرة في بعض الأماكن، هذا فضلاً عن الزيادة السكانية المضطردة وما يستتبعها من التعدي على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مناطق سكنية.
وأشار عبد العاطي إلي أن قضايا التصحر وإنتاجية قطرة المياه والفواقد المائية والحاجة إلى توطين التكنولوجيا وهجرة العقول وتلوث المياه والسحب الجائر للمياه الجوفية تعد أهم الشواغل التي تواجه العديد من الدول الإسلامية.
وقال عبد العاطي، إننا نجتمع اليوم لبحث سبل التعاون الذى تمكننا من مواجهة تلك التحديات، مشيرا إلى ما واجهته دولة جنوب أفريقيا منذ عدة أشهر ووصولها إلى "اليوم صفر"، حيث نضبت البحيرة التى تغذى مدينة كيب تاون، وتحولت المدينة إلى مستوى الصفر المائى الذى حرمها كليا من مواردها المائية.
في الوقت الذي تعرضت فيه بحيرة تشاد – سادس أكبر بحيرة على مستوى العالم من حيث المساحة – إلى التدهور بسبب موجات الجفاف التي اجتاحت إقليم الساحل الأفريقي، هذا بالإضافة إلى ما تعرضت له بحيرة تركانا بكينيا من جفاف.
وأكد عبد العاطي أن هذا الحال يتكرر كثيرا فى عدد من دولنا الإسلامية، حيث تعانى دول كثيرة بما فيهم مصر من الفقر المائى بدرجات متفاوتة، وكما هو معلوم فإن بلدان منظمة التعاون الإسلامى بصفة عامة تعتبر من الدول الفقيرة فى مواردها المائية بما لا يتناسب مع التعداد السكانى لها، وهذا هو التحدٍى الكبير الذى يجب أن نعمل جميعاً لمواجهته بحسن إدارة واستغلال الموارد المتجددة واستمرار البحث عن موارد غير تقليدية لتعويض هذا النقص.
وأوضح عبد العاطي بمثال آخر يتكرر كثيرا فى عدد من الدول بما فيهم مصر وهو حدوث السيول المدمرة flash floods، ومن أبرزها هذا العام هو الفيضانات التونسية على الرغم من فترة الجفاف التي شهدتها قبل حدوث هذه الموجة من الفيضانات التي اجتاحت محافظة نابل بتونس فى سبتمبر الماضي، وأدت إلى بعض حالات الوفاة وتشريد المواطنين وخسائر اقتصادية، ونحن تابع مثل هذا سنويا فى إفريقيا وأسيا، حيث تتسبب كوارث للمواطنين بهاتين القارتين.
وأكد عبد العاطي أن مصر عانت من هذه السيول إلا إننا تمكنا من تبنى سياسة تقوم على أسس علمية فى التنبؤ الدقيق بالعواصف المطيرة وبناء على ذلك يتم أخذ الاحتياطات والإجراءات المناسبة التى تشمل إنشاء سدود لإعاقة الفيضان لحماية المدن وتوجيهها لمسارات بعيدة عن التجمعات السكانية، بخلاف إنشاء سدود تخزينية للاستفادة من مياه السيول، وبدأت مصر فى جنى ثمار ذلك وتحقيق الحماية اللازمة للمواطنين والاستثمارات بالدولة.
وأكد أن مصر ساهمت فى نقل هذه الخبرة والتجربة المصرية لبعض دول المنظمة، بالتعاون والعمل المشترك مع الفريق الفنى الأوغندى فى تقييم الأضرار الناجمة عن الفيضانات في منطقة روينزوري الفرعية بمقاطعة كسيسى بهدف دعم منظومة إدارة الموارد المائية والرى فى أوغندا ورفع وبناء قدرات العاملين من خلال إيجاد حلول هندسية للحد من مخاطر الفيضانات بطريقة مستدامة، كما تم البدء فى تنفيذ أعمال مشروع إنشاء 5 سدود حصاد مياه الأمطار بمناطق متفرقة بأوغندا، هذا بالإضافة إلى مشروعات تنفيذ الآبار لتوفير مياه شرب نظيفة للمواطنين الاشقاء بأوغندا.
وأكد عبد العاطي أن مصر ترحب بالتعاون وتقديم خبراتها المتراكمة فى مجال إدارة الموارد المائية إلى أى دولة شقيقة للنهوض بالمجتمعات الإسلامية وتحسين مستوى معيشة الشعوب الإسلامية.
وتحدث عبد العاطي عن حالة قطاع المياه في مصر وما يواجهه من تحديات لاسيما مع تنامي الفجوة بين الطلب على المياه ومحدودية مواردنا المائية مما جعل التوازن بين الموارد والاحتياجات مشكلة خطيرة، في ظل أن 95% من مساحة مصر صحراء وهي أكثر إقليم جاف في العالم في حين أن أكثر من 97% من مواردنا المائية تأتى من خارج حدودنا كما أن المياه الجوفية لا يعول عليها كونها مورد غير دائم قابل للنضوب.
وقال عبد العاطي ان التزايد التدريجى لعدد السكان في مصر خلال النصف قرن الماضي أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من المياه لتصل إلى حوالي 570 م3 سنوياً عام 2018، حيث بلغ العجز الحالي في الموارد المائية 90% يتم تعويضه من خلال إعادة تدوير المياه والذي يمثل 33% من الاستخدام الحالي، بخلاف استيراد 34 مليار م3 مياه افتراضية في صورة سلع غذائية لسد باقي العجز، وتجدر الإشارة في هذا المقام أن نقص المياه المتجددة بــ 2% سيؤدي إلى فقدان مليون مزارع مصري لعملهم.
وأشار عبد العاطي إلي تحدي تعرض دلتا نهر النيل في شمال مصر لمخاطر متزايدة نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر بما يؤثر على تداخل مياه البحر على المياه الجوفية وبما يؤثر على الزراعة في شمال الدلتا والذي يسبب آثار بيئية واجتماعية واقتصادية جسيمة تتطلب اتخاذ إجراءات للتكيف مع التغيرات المناخية وتنفيذ خطة متكاملة لحماية دلتا النيل.
وأشار عبد العرطي إلي أن التغيرات المناخية أصبحت واقعا ملموسا وتأثيراتها ليس فقط بتهديد مصاب الأنهار (الدلتاوات) وعلى كافة القطاعات وتعد مصر واحدة من أكثر الدول عرضة لتأثير التغيرات المناخية، وتم تحديد قطاع الموارد المائية باعتباره واحدا من القطاعات الثلاثة الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ في مصر، أما القطاعات الأخرى فهي المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر لكل من البحر المتوسط والبحر الأحمر، والقطاع الزراعي الذي سيتأثر بالطقس الأكثر حرارة وجفافا، إلى جانب تزايد حدة وتكرارية موجات الأمطار والجفاف والتي نشهدها بالفعل، وكون مصر دولة المصب لحوض نهر النيل يجعلها عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية، ليس فقط داخل حدودها، ولكن أيضا داخل الحوض بأكمله.
وقال عبد العاطي إنه بالتوازى مع مؤتمرنا هذا وتحت مظلة أسبوع القاهرة للمياه يعقد اليوم وغداً المؤتمر الوزاري الثالث لائتلاف الدلتاوات والذي يعد أول ائتلاف حكومي يعمل على التعاون في مواجهة والتكيف مع آثار التغيرات المناخية في مناطق الدلتاوات بوصفها المنلطق الأكثر عرضة لتلك الآثار، وتشرف مصر برئاسة الائتلاف هذا العام ويضم الائتلاف 13 دولة منها دولا من دول منظمة التعاون الإسلامى.
وقال عبد العاطي إن منظمة التعاون الإسلامى ككيان يجمعنا من أجل هدف عظيم هو التعاون والتآخى قد نجحت فى تبنى رؤية بشأن المياه بدول المنظمة، والتى تهدف إلى المحافظة وتنمية الموارد المائية لدول المنظمة، وإلى تحسين الخدمات المرتبطة باستخدام هذه الموارد بما يؤدى لرفع مستوى المعيشة وإلى ازدهار جميع الدول الإسلامية.
ونجحت كذلك المنظمة فى إرساء اجتماع وزارى دورى للوزراء المعنيين بالمياه فى دول المنظمة ليكون الآلية التى تخطط وتنفذ الخطط التى تؤدى لتحقيق رؤية المياه، وقد اسفرت الاجتماعات الثلاث السابقة عن عدة إنجازات عملية فى سبيل تحقيق هذه الرؤية، فأولا تمت بلورة رؤية المنظمة للمياه حتى عام 2025، وتم تحديد نقاط إتصال فى كل دولة لسهولة تواصل وتعاون الدول الإسلامية مع بعضها البعض، ثم تم إنشاء مجلس مياه دول المنظمة والذى يمثل الجهة التنفيذية للوزراء المعنيين بالمياه، ويأتى اجتماعنا الرابع هذا بعد أول اجتماع لمجلس مياه دول المنظمة الذى تم فى نوفمبر الماضى، والذى أصدرت فيه خطة تنفيذية لتحقيق رؤية المياه لدول المنظمة، لأننا نجتمع تحت شعار "خطوات على الطريق" لنتواصل ونناقش بروح الأخوة والمودة خطوات هذه الخطة وكيفية تعزيزها ودفع العمل بها.
وتقوم الخطة التنفيذية لرؤية المياه لدول المنظمة على عدة محاور جوهرها هو التعاون ومساعدة الدول القادرة سواء بالإمكانات البشرية أو المؤسسية أوالتكنولوجية أو المالية للدول الأكثر احتياجا وإن واحدا من محاور الخطة يقوم على تقديم خدمات التدريب لبناء الخبرات ورفع قدرات الدول التى تحتاج لذلك من خلال المؤسسات الرائدة والمراكز التخصصية المتميزة فى الدول، وقد كانت مصر سباقة للتعاون مع جيرانها من دول المنظمة ومن غيرها بتقديم عدة دورات تدريبية ودبلومات أكاديمية كمنح مجانية سنوية تقدم من خلال المركز القومى لبحوث المياه بالتعاون مع بعض الجهات الدولية، ومن خلال المركز الإقليمى للتدريب فى مجال الموارد المائية والرى.
وأعلن عبد العاطي عن أول منحة تدريبية تمنحها الحكومة المصرية لدول منظمة التعاون الإسلامى فى مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية لتدريب متخصص واحد من كل دولة من دول المنظمة لمدة أسبوع بالمركز القومى لبحوث المياه بالقاهرة بحيث تشمل المنحة تكاليف الإقامة كاملة وتكاليف المادة العلمية، وسوف تخصص رحلة لزيارته ومعاهده المتخصصة خلال هذا الاجتماع، ويمكن المشاركة فى هذه الزيارة للتعرف على إمكانات وخبرات هذه المعاهد، ومبدئيا يمكن أن تعقد هذه الدورة فى شهر فبراير 2019 .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة