لا أزعم معرفتى به بشكل كامل، فقد التقيته قبل سنوات تصل لعشرين عاما، امتلك شخصية متسلّطة إلى حد كبير مع هيبة و قدرة على فرض رأيه على الصغير وإقناع الكبير.
كنت أراه يسير مرفوع الرأس يدب بقدميه كسلطان متوّج أو طاووس يفرد جناحيه فى خُيلاء، يضيق العالم فى عينيه على اتساعه، يصحب ابنه معه واضعاً يده على رأسه، شكّلا معا دائرة صغيرة و عالم محدود لا منفذ إليهما.
صبى دون السادسة من العمر حينما رأيته للمرة الأولى يسير تحت جناح أبيه، متقد الذكاء رجل فى صورة طفل، يتحدث بحساب، يزن كلماته قبل أن ينطق بها تأثرا بأبيه بصورة رُسمت له بعناية أن يكون رجلا وإن لم يتجاوز مرحلة الطفولة، أن يكون عاقلا رشيدا بينما أقرانه يرفلون فى دنيا اللهو، فكانت تصرفاته عبئاً عليه، تكلّفا لم يستطع عقل الصغير أن يتحمله طويلا فناخ بحمله و سقط وعيه مغشيا عليه .
شاخ الأب ودارت به الدنيا دورات كثيرة كدوامة تجذب ضحاياها للأعماق فهوى بعد علوّ، تلفّت حوله بحثا عن معين وعضد كان يُعدّه لأيامه الأخيرة فوجده شاخا معه أصابه الهرم وإن لحق بعقله ونفسيته فقط فكان شابا يافعا بجسده وعجوزا خرفا بداخله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة