انتشرت فى الآونة الأخيرة شائعات كاذبة ببيع حدائق أنطونيادس التراثية فى مزاد علنى، وهو الأمر الذى لا يمكن تطبيقه بسبب القانون، حيث إنها أرض مملوكة للدولة ولا يمكن بيعها أو التصرف فيها وهى حاليًا تتبع وزارة الزراعة فى الإشراف والإدارة.
"اليوم السابع" يرصد أهم الأزمات والملامح التطويرية لحديقة "أنطونيادس التراثية"، من خلال توصيات اللجنة الفنية ودور مكتبة الإسكندرية فى الحفاظ على القصر وتطويره.
شائعة بيعها لم تكن الأزمة الأولى التى تواجه الحديقة
ولم تكن تلك هى الأزمة الأولى التى تواجه الحديقة، حيث واجهت الحديقة أزمة منذ عامين، بعد سرقة أحد التماثيل التراثية بالحديقة، وبالرغم من نجاح الجهات الأمنية فى إعادة التمثال مرة أخرى وإلقاء القبض على السارقين، إلا أن تلك الأزمة وجهت الأنظار إلى الحديقة وألقت الضوء على مدى الإهمال الذى تعرضت له على مدار سنوات، خاصة بعد تقلص عدد التماثيل التراثية من 17 تمثالاً إلى 14 بسبب أعمال السرقة.
وتعالت الأصوات بضرورة الاهتمام بأهم حديقة تراثية فى الإسكندرية، والتى يعود تاريخها إلى الفترة البطلمية فى مصر، وعقب أزمة سرقة أحد التماثيل التراثية، تشكلت لجنة فنية فى عهد المحافظ السابق الدكتور محمد سلطان، لوضع رؤية تطويرية للحديقة تضمنت تلك اللجنة الجهات المعنية بالإشراف والإدارة بالإضافة إلى عدد من المتخصصين بجامعة الإسكندرية.
اللجنة الفنية توصى بضرورة زيادة الموارد المالية والعمالة والإدارة الرشيدة
ويقول الدكتور صلاح هريدى، الأستاذ بجامعة الفنون الجميلة وعضو اللجنة الفنية المشكلة لوضع رؤية تطويرية لحدائق أنطونيادس، إن اللجنة قامت بأعمال تشريحية لتحديد المشاكل العامة والخاصة التى تعانى منها الحديقة ووضع حل لكل جزئية خاصة بها.
وأوضح، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن من أهم المشاكل العامة التى أدت إلى حالة الإهمال الحالى، هو نقص الميزانية حيث لا تكفى الميزانية الحالية الخاصة بالحديقة بسداد تكاليف أعمال الصيانة، الأمر الذى أدى إلى تدهور حال الشبكات والمرافق وتدهور حال النباتات، المنشآت والمبانى الخاصة بالحديقة، وتدهور حال البحيرة.
وأضاف "إن الحديقة بوضعها الحالى، أصبحت غير جاذبة حتى للمواطنين للتنزهه، حيث لا يوجد أماكن ترفيهية والأهالى لا يجدون أماكن للترفيه داخل الحديقة إلا الجلوس على الأرض، وأن النباتات النادرة قد اندثرت باستثناء الأشجار والنباتات الكبيرة".
وأوضح أن أزمة سرقة التماثيل قد كشفت عن نقص العمالة بالحديقة، وخاصة عمال الأمن والحراسة، حيث تحتاج الحديقة إلى عدد أكبر من العمال وأفراد الأمن نظرًا للمساحة الشاسعة للحدائق والتى تمتد على مساحة 50 فدانا، بالإضافة إلى تشويه المشهد الجمالى بإيجار بعض الأماكن لبعض الكافيهات التى لم تحرص على إقامة منشآت تتماشى وتلائم طبيعة الحديقة التراثية فشوهت المشهد الجمالى لها.
وقال "هريدى"، إن المنظومة الحالية بها خلل وعيوب بسبب ضعف الميزانية وضعف القوى البشرية، وعليه فإن اللجنة قد أوصت ببعض الحلول والمقترحات، وعلى رأسها زيادة موارد الحديقة من خلال الاستثمار، وتقديم مستويات مختلفة للخدمة بأسعار مختلفة تناسب كافة الفئات بالمجتمع، واستغلال الأماكن المختلفة بالحديقة بدون تأثير سلبى على النباتات والحديقة، بالإضافة إلى وضع ملامح إدارية تفصيلية لإدارة رشيدة تساهم فى تطوير الحديقة والحفاظ عليها فى الوقت نفسه.
وأشار إلى أن اللجنة قامت برفع التقرير إلى المحافظ الأسبق لبحث الأمر مع الجهات المعنية وخاصة وزارة الزراعة، حيث جاء التقرير فى إطار مشروع تطوير الحدائق التاريخية والتراثية الذى وضعته محافظة الإسكندرية لتنفيذه على مراحل.
"زراعة الإسكندرية" تنفى شائعة المزاد وتصفه بالشائعات المغرضة
فى المقابل أكد الدكتور مصطفى بخشوان، وكيل مديرية الزراعة بالإسكندرية، وعضو اللجنة الفنية، أن ما نشر ما شائعات مغرضة مؤخرًا من طرح الحديقة للبيع فى مزايدة علنية هو كلام عارٍ تمامًا من الصحة، وأنه كان عضو اللجنة الفنية التى وضعت تصورًا ورؤية تطويرية للحديقة، حيث تضمن التقرير توصيات بضرورة الحفاظ على التراث الذى يمثل طابعًا مميزًا لها كحديقة تراثية، بالإضافة إلى الأشجار النادرة ونظام التقسميات الذى يميز الحديقة عن أى حديقة أخرى، فقد أنشئت بتصميم هندسى جعلها مجموعة حدائق وليست حديقة واحدة.
كما أكد وكيل وزارة الزراعة، فى تصريحات خاصة لــ"اليوم السابع"، ضرورة تطوير أنظمة الرى والحفاظ على المبانى التراثية وتطويرها بعد أن أهملت لسنوات، إلى جانب استثمار كل تلك الإمكانيات لصالح الحديقة وزيادة مواردها.
وأوضح الدكتور مصطفى بخشوان، أن الحديقة لا تقع تحت إشراف المديرية مباشرة بل هى تتبع إدارة معهد البساتين التابع لوزارة الزراعة بالقاهرة، وأن اللجنة الفنية قد وضعت رؤية عامة لعملية التطوير وتم رفعها إلى المحافظة ووزارة الزراعة لاتخاذ قرار بشأنها.
المكتبة تتولى مهمة تطوير القصر وتحويله إلى مركز فنون عالمى
وحول قصر أنطونيادس التاريخى والتراثى المتواجد داخل الحديقة، فقد أعلن الدكتور مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية، أن المكتبة تتولى مهمة تطوير القصر، وسوف يتم إعادة بناء أكشاك الموسيقى وتحويله إلى مركز للفنون.
وقد نظمت بالفعل مكتبة الإسكندرية فعاليات فنية بالقصر، حيث نظم مركز القبة السماوية العلمى بقطاع التواصل الثقافى بمكتبة الإسكندرية، احتفالية مصغرة للعلوم داخل قصر أنطونياديس التراثى، لطلبة المدارس فى المرحلة الابتدائية والإعدادية، لإحياء القيمة التراثية للقصر وتحويله إلى مركز ثقافى عالمى لحوض البحر المتوسط، ليصبح مقرًّا لحوار الحضارات والثقافات.
يذكر أن حديقة أنطونيادس بالإسكندرية، هى أحد أقدم الحدائق ليس على مستوى مصر فقط بل على مستوى العالم، ويرجع بعض المؤرخون تاريخ الحديقة إلى الفترة البطلمية فى مصر، وفى عهد الخديوى إسماعيل تم إقامة توسعات بالحديقة لتبلغ مساحتها 50 فدانًا وتم إضافة النباتات النادرة لها، ثم انتقلت الحديقة إلى أحد الأثرياء وهو البارون اليونانى "جون أنطونيادس" عام 1860، والذى سميت الحدائق على اسمة فيما بعد، وبعد وفاته نفذ نجله أنطونى وصية والده بإهداء القصر والحدائق إلى بلدية الإسكندرية عام 1918.