- لم يكن الأنبا بسنتى وحده الذى نال «ذهب المعز» تاركا سيفه فقد سبقه الراهب أغابيوس
- ظهر اسم إشعياء المقارى الذى أدخل للرهبنة عام 2010 بيد البابا شنودة
كالدبة التى تقتل صاحبها بنية حمايته، تمارس صفحات بعينها على مواقع التواصل الاجتماعى هذا الدور وهى تحاول أن تجيش الرأى العام القبطى ضد البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية من ناحية وضد مدرسة متى المسكين الرهبانية وتراثه وكتبه من ناحية أخرى، فى ظل مقارنة يومية تجريها بين عصر البطريرك الراحل وعصر البابا الحالى دون مراعاة ظروف كل عصر وسياقه وأدواته، ودون النظر لمنجز البابا تواضروس والتحديات التى يواجهها، ولكنها محاولة لجر الكنيسة للوراء ضمن مؤامرة كبرى تسير على قدم وساق منذ اليوم الأول للبابا تواضروس الثانى على سدة كرسى مارمرقس.
نشرت صفحة أبناء البابا شنودة الثالث، ملفًا بعنوان أسماء رهبان دير أبومقار الذين غادروا الدير، منذ عصر متى المسكين وحتى اليوم، وأمام اسم كل راهب مصيره وما آل إليه حاله، بعد ذلك وهى قائمة أسماء لا تدين الدير، الذى يحمل اسم القديس مقار الكبير وهو أحد مؤسسى رهبنة القرون الأولى فى المسيحية وكان أوّل من كوّن الجماعات الرهبانية فى برية الإسقيط المعروفة الآن بوادى النطرون.
فى عصر البابا شنودة الثالث وأثناء احتدام الخلاف بينه وبين القمص متى المسكين، لأسباب شخصية تطورت بعد ذلك لتتخذ صبغة لاهوتية ودينية، قال البابا شنودة فى عظة مسجلة له كان يجيب فيه على سؤال وجه له فى عظته الأسبوعية بالكاتدرائية التى كان يفتح فيها الباب للإجابة عن أسئلة شعب الكنيسة، إذ سأله أحد الحاضرين قائلًا: «لدى شوق للرهبنة وأفكر فى الانضمام لدير الأنبا مقار بوادى النطرون فما رأى قداستك؟ فما كان من البابا شنودة إلا أن أجاب قائلًا: «إن رحت هناك ستتعب وتخرج من الدير وترجع إلى مرة أخرى، فأحسنلك دور على دير تانى وخدها من قصيرها».
وتابع البابا شنودة فى حديثه عن الدير: «عدد الذين خرجوا من هذا الدير وعادوا إلى 52 واحدا مكتوبين عندى بالاسم منهم من جاء سليمًا ومنهم من يعالج فى بيهمن ويقصد مصحة الطب النفسى بحلوان، أو لدى الدكتور النفسى رجائى دانيال ومنهم من أصبح مريضا عقليا ومنهم من ترك الرهبنة نهائيا ومنهم من لا أعرف أين يوجد، وفى منهم من هو عندى فى دير الأنبا بيشوى» مستكملا: «أنت يا ابنى وعلى رأى المثل ابحث عن الرفيق قبل الطريق، المسألة ليس بالمكان بل بالحياة».
ويعترف أحد شيوخ الرهبان بدير الأنبا مقار ممن عاصروا القمص متى المسكين، بمن تركوا الدير وغادروه بعدما لم يستطيعوا احتمال نظام الحياة الرهبانية الصارم الذى وضعه القمص متى المسكين مؤسس التيار الآبائى فى الكنيسة، فالرهبنة وفقا للراهب الشيخ هى رهبنة الكفن، وعلى طريقة رهبان القرون الأولى الذين كانوا يكتفون بكسرة خبز وبعض ماء تقيهم شر الموت، يعبدون الله فى مغارات صحراوية يبحثون عنه فى كل الدروب، يترجمون الكتب، ويصدرون الأبحاث ويتأملون فيما تركه الله لهم من نعم فى الكون، يؤكد: نعم هناك ما يقرب من 30 راهبا غادرونا منهم من ذهب إلى دير الأنبا بيشوى المجاور الذى كان يقيم فيه البابا شنودة ومنهم من ترك الرهبنة وهو أمر لا يعيب الدير فى شىء بل يشرفه فالرهبنة ليست لكل أحد.
يشير الراهب الشيخ إلى ما كان يجرى من إغراءات للرهبان الخارجين عن طاعة القمص متى المسكين الأب الروحى لدير الأنبا مقار، «فقد كانوا يذهبون لدير الأنبا بيشوى ويوعدون بترقى لمناصب كنسية عليا أو برتب أسقفية أو بنيل درجات كهنوتية، وكلها أمور كانت بعيدة كل البعد عن حياتنا فى دير الأنبا مقار، فقد كنا نبكى إذ رشحوا أحدنا للكهنوت إيمانا منا بالرهبنة دون منصب ودون حاجة لرتبة القس».
يستكمل: بعد وفاة القمص متى المسكين، تقدم عمر القمص كيرلس المقارى وكيل الدير «الربيتة» الذى كان مشرفا على الدير، ورشحوا عددا منا للرسامات «التعيينات» لرتب الكهنوت حتى نستطيع أن نساعد «أبونا كيرلس» فى الصلاة وإقامة القداسات فلا يحق للراهب أن يرأس قداسا أو يمارس الأسرار المقدسة، وقد قبل أربعة من الرهبان تلك المناصب مرغمين وباكين وخائفين من بينهم الأنبا أبيفانيوس شهيد الغدر».
فى قوائم الرهبان الذين تركوا الدير وذهبوا لدير الأنبا بيشوى دلائل على صحة ما قاله الراهب الشيخ، الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة كان راهبا بدير الأنبا مقار دخل الدير عام 70 وغادره عام 82 وذهب إلى دير الأنبا بيشوى ثم تدرج فى المناصب الكنسية فبعد عام واحد من انضمامه لدير الأنبا بيشوى ترقى لدرجة القس التى كانت شبه محرمة فى دير الأنبا مقار، وبعد عامين صار أمينا لدير الأنبا بيشوى رغم أنه أحدث المنضمين له من الآباء الرهبان، وبعد عام آخر انتدبه البابا شنودة للإشراف على كنيسة بجاردن سيتى، وفى العام الرابع أصبح مشرفا على الكلية الأكليريكية، وفى العام الخامس انتدبه لكلية أخرى بالإسكندرية ثم رقاه البابا لدرجة قمص، ومنها إلى سكرتيره الخاص، وانتهى به المطاف إلى منصب أسقف حلوان والمعصرة.
لم يكن الأنبا بسنتى وحده الذى نال «ذهب المعز» تاركا سيفه فقد سبقه الراهب أغابيوس الذى كان يخدم مع الأنبا بسنتى فى مزارع دير الأنبا مقار، ثم غادره إلى دير الأنبا بيشوى ومن هناك صار أسقفا للسويس باسم الأنبا أغناطيوس وتوفى منذ سنوات، وكذلك الأنبا مكارى أسقف سيناء والعريش الذى غادر الدير ليخدم كقس فى المنيا وبعدها بسنوات ترقى لدرجة أسقف سيناء بعدما طلب منه البابا شنودة أن يقضى عاما فى دير الأنبا بيشوى وتوفى عام 2000.
أما الراهب شيرامون فقد دخل دير الأنبا مقار عام 1975 ثم غادره إلى دير الأنبا بيشوى وترقى هناك إلى درجة قس عام 1984 وظل ست سنوات حتى صار أسقفا لقنا باسم الأنبا شاروبيم.
كذلك فإن الراهب موسيس الذى دخل دير الأنبا مقار عام 1975 وتركه عام 87 أصبح سكرتيرا للبابا شنودة ثم أسقفا عاما باسم الأنبا يوحنا عام 1991، أما الأنبا أشعياء أسقف طهطا فقد سلك المسلك نفسه خرج من دير الأنبا مقار عام 78 قاصدا دير الأنبا بيشوى وفى نفس العام ترقى لدرجة قس وفى العام التالى حصل على درجة قمص، حتى إذا جاء العام 80 أصبح أسقفا لطهطا وحمل اسم الأنبا أشعياء، بينما انتدبه البابا شنودة للخدمة فى أستراليا خلال عامى الترقيات.
فيما تمكن الراهب لاونديوس الذى انضم لدير الأنبا مقار عام 77 من التلاميذ النجباء الذين استطاعوا تعلم اللغة اليونانية كغالبية رهبان دير الأنبا مقار، حيث استقدم القمص متى المسكين مدرسا ليعلمهم لغة البحث فى العلوم اللاهوتية، ثم غادر لاونيدوس ديره قاصدا دير الأنبا بيشوى بعد ثلاث سنوات أى عام 80 وكلفه البابا شنودة بتأسيس إيبراشية قبطية فى اليونان مستغلا طلاقته فى اللغة التى فهمها وكتب بها، وظل هكذا يؤسس الكنائس ليصبح بعدها أول أسقف مصرى فى اليونان إلا أن وفاة البابا شنودة أجلت رسامته أسقفا، وتم له ذلك بيد البابا تواضروس فى بداية عهده عام 2013، وكذلك فعل الراهب بوليكاربوس الذى ترك الدير عام 86 بعد سبع سنوات وذهب للخدمة فى اليونان مستغلا اللغة التى تعلمها بين أسوار أبومقار.
عام 2006 وبعد ثلاث سنوات من وفاة القمص متى المسكين، قرر البابا شنودة إنهاء حالة الاستقلال الإدارى لدير الأنبا مقار ووضعه تحت حماية الكنيسة، وزار دير الأنبا مقار زيارة تاريخية سائرا على عربته الكهربائية إلى الداخل ممسكا فى يده بالقلنسوات الرهبانية السريانية التى كان يرتديها كل رهبان الأديرة الأخرى فيما عدا رهبان دير الأنبا مقار حيث حمل فى يده 120 قلنسوة رهبانية ليميز من يريدون الخضوع له بالزى، وهو الزيارة التى تلتها استقالة الأنبا ميخائيل رئيس الدير، بالإضافة إلى مناشدات وخطابات أرسلها القمص كيرلس المقارى وكيل الدير للبابا شنودة يعبر فيها عن مخاوفه مما ينوى البابا فعله.
بعد هذه الزيارة بعام واحد، ألحق البابا شنودة دفعة جديدة من الرهبان للدير ورقى آخرين لدرجة القس، وفى صلوات طقس الرسامة يعظ البابا شنودة فى الرهبان المترقين ويبرر الأسباب التى دفعته لرسامة كهنة فى دير الأنبا مقار فيقول «من ضمن الأسباب اللّى خلتنى أرسم كهنة فى دير أبومقار، إن إحنا نستخدم الكنائس والمذابح الموجودة فى الدير، مش أصول يبقى عندنا كل هذه الكنائس ومش لاقية حد يصلّى عليها، هنعمل جدول للصلاة فى الكنائس دى»، كان حديث البابا محاولة لتفسير سبب إقدامه على تلك الخطوة، حيث كان رهبان دير الأنبا مقار يمتنعون عن المناصب الكنسية ولا يحبونها ولا يقربوها، بينما حصد من تبعوه ذهب المعز مرة أخرى.
تبرز ثلاثة أسماء رئيسية فى قائمة الـ20 التى رقى البابا شنودة 10 منها لدرجة القس وأدخل الـ10 الآخرين للرهبنة، وهى القائمة التى تسمى بالرهبان الشنوديين، بالإضافة إلى آخرين عاصروا القمص متى المسكين وكانوا دائمى الخلاف معه، لينقسم الدير بعد تلك الزيارة والترقيات إلى فريقى الرهبان المتاويين والرهبان الشنوديين ممن يصغرون تلاميذ متى المسكين سنا، بالإضافة للمنضمين لهم من معارضى متى المسكين فى حياته.
يظهر اسم إشعياء المقارى الذى أدخل للرهبنة عام 2010 بيد البابا شنودة على رأس قائمة الرهبان الشنوديين، وهو المتهم الرئيس بقتل الأنبا أبيفانيوس، يليه شريكه فى القضية نفسها الراهب فلتاؤس المقارى، ثم يأتى القس يعقوب المقارى الذى تم تجريده من الرهبنة الشهر الماضى بعدما أسس ديرا بتكليف من البابا شنودة واستقل به عن الكنيسة عقب وفاة البابا الراحل حين رفض الانصياع والطاعة للجان الكنسية المتعددة التى أرسلت له، بالإضافة إلى زينون صاحب الوفاة الغامضة فى الدير المحرق بعد نقله له وقد كان ممن ترقوا لدرجة القسيس جوار يعقوب وفى نفس الصلاة.
تحاول الصفحات الإلكترونية المحسوبة على التيار التقليدى النيل من سمعة رهبان دير أبومقار، وتصورهم بالخارجين عن قيم الرهبنة ومبادئها الأولى كالطاعة الكنسية، وهى تتناسى أن كل ما حدث فى دير الأنبا مقار كان بسبب أخطاء إدارية ارتكبها البابا شنودة ومازالت تبعاتها تحكم الحياة فى هذا الدير حتى اليوم.
تخصصت الصفحات المعادية للبابا تواضروس وتوجهاته فى نشر مستندات أرشيفية كنسية دقيقة لا يمتلكها إلا من كانوا فى مطبخ الكاتدرائية يوما ما، وإلا من يملك ملفات الرهبان والأديرة والخطابات المرسلة من وإلى البابا شنودة بكل هذه الدقة؟ يعرف المتابعون للشأن الكنسى من يدير الحرب على صفحات التواصل الاجتماعى كجزء من مؤامرة كبرى تستهدف النيل من البابا تواضروس ومنجزه الإصلاحى والإدارى فى الكنيسة القبطية.