زيارة مرتقبة يقوم بها رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى إلى الصين، ليلتقى مع الرئيس شى جين بينج للمرة الأولى فى زيارة رسمية لبكين منذ سبعة سنوات، بسبب توترات عديدة ربما كادت أن تضع الدولتين وجها لوجه فى نزاع عسكرى، على رأسها الجزر المتنازع عليها فى بحر الصين الشرقى، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا للرغبة المتبادلة فى تطوير العلاقات ربما لمجابهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها الإجراءات الأمريكية التى استهدفت الحلفاء والخصوم على حد سواء.
ففى الوقت الذى تواجه فيه الصين، الغريم التجارى لواشنطن، حربا تجارية من قبل إدارة ترامب، على خلفية العجز التجارى الذى تعانيه الولايات المتحدة أمام بكين، فإن اليابان، والتى تمثل أحد أهم حلفاء أمريكا فى آسيا، تواجه ضغوطا مضاعفة من قبل الإدارة الأمريكية، لا تقتصر على المسار الاقتصادى، والمتمثل فى فرض التعريفات الجمركية التى استهدفت صادراتها للأراضى الأمريكية، وإنما امتدت إلى الجانب السياسى والعسكرى، فى ضوء المخاوف اليابانية الكبيرة جراء التطور الكبير الذى تشهده العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، وهو ما أدى إلى تدهور العلاقات الأمريكية مع حلفائها فى آسيا وعلى رأسهم اليابان.
سلة واحدة.. سياسات ترامب تخلق تحالف بين الخصوم والحلفاء
وهنا وضعت السياسات الأمريكية التى تبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الحلفاء والخصوم فى سلة واحدة، وهو الأمر الذى يؤدى إلى تشكيل تحالف جديد بين الدول المستهدفة من قبل سلاح الإجراءات أو العقوبات الأمريكية، لمجابهة التهديد الناجم عنها فى المرحلة الراهنة، بالإضافة إلى السعى نحو قوى جديدة يمكنها تحقيق التوازن الإقليمى فى المنطقة، بعد اختلاله بفعل السياسات الأمريكية المتواترة، وهو ما يفتح الباب أمام زيادة نفوذ القوى المنافسة للولايات المتحدة فى القارة الآسيوية على حساب القوى الأمريكية.
ترامب وشينزو آبى
فلو نظرنا إلى الخطوات اليابانية الأخيرة، نجد أنها لم تقتصر على التقارب من الخصم الإقليمى، وهو الصين، فقط، وإنما امتدت إلى تطوير العلاقات بصورة كبيرة مع روسيا، وهو ما بدا واضحا فى الزيارة التى أجراها رئيس الوزراء اليابانى إلى روسيا منذ عدة أسابيع، ولقاءه مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والذى عرض بدوره على الجانب اليابانى توقيع اتفاقية سلام بين البلدين دون شروط مسبقة، فى انعكاس صريح للسعى الروسى نحو مزاحمة الولايات المتحدة فى منطقة تمثل أحد أهم مناطق نفوذها بالعالم، وهو الأمر الذى ربما تحتاجه اليابان خاصة وأن قطاعا كبيرا من المتابعين يرى أن السياسات الأمريكية فى آسيا تمثل تخليا صريحا عن حلفائها.
سياسة "التجاهل المزدوج".. الصين طوق النجاه الأخير لطوكيو
ولعل التجاهل الأمريكى الصارخ لمصالح الحلفاء فى آسيا، خاصة فيما يتعلق بقضية كوريا الشمالية، كان السبب الرئيسى فى السعى اليابانى، وكذلك الكورى الجنوبى، للبحث عن حلفاء جدد، لتحقيق قدرا من التوازن المفقود، خاصة بعد المخاوف الكبيرة من جراء القرار الأمريكى بوقف المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، والتى يراها البعض تمهيدا لقرار آخر بسحب القوات الأمريكية فى المنطقة، وهو ما يمثل تهديدا صارخا لأمن الحلفاء، وعلى رأسهم اليابان، كما تجاهلت المطالب اليابانية بوضع قضية المخطوفين فى أجندة الحوار خلال القمة التى جمعت الرئيس الأمريكى بنظيره الكورى الشمالى بسنغافورة فى يونيو الماضى.
لكن لا تقتصر حالة التجاهل التى تعانيها اليابان على الحليف الأمريكى، بينما امتدت إلى الجانب الكورى الشمالى، الذى يبدو محتاجا على الانفتاح على كافة خصومه لتقديم رسالة طمأنة للعالم، حيث أن النظام الحاكم فى كوريا الشمالية تبنى نهجا دبلوماسيا مختلفا تجاه اليابان، إذا ما قورن بالطريقة الودية التى تعاملت بها بيونج يانج مع كوريا الجنوبية، حيث احتفظ الإعلام فى كوريا الشمالية بلهجته العدائية تجاه طوكيو، بينما تجاهل زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون الدعوات المتواترة التى تبناها شينزو آبى لعقد قمة بينهما.
الرئيس الصينى شى جين بينج ونظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون
وهنا تصبح الصين هى طوق النجاة الأخير لليابان، فى ظل الدور الكبير الذى يمكن أن تلعبه بكين للوساطة بين طوكيو وبيونج يانج وإنهاء القضايا العالقة بين البلدين فى المرحلة المقبلة، وهو الدور الذى بدا واضحا فى الزيارات المتواترة التى قام بها كيم جونج أون إلى بكين فى الأشهر الماضية، وأهمها زيارته التى أعقبت قمة سنغافورة بأيام، وهو ما يمثل دليلا دامغا على الدور الصينى الهام فى المسألة الكورية الشمالية، والذى يثير حالة من القلق الأمريكى.
الاحتياج متبادل.. الصين تحاول الحفاظ على وجودها بالسوق اليابانى
إلا أن الاحتياج يبدو متبادلا بين طوكيو وبكين، خاصة وأن الصين تعانى من جراء حرب التجارة التى أطلقها الرئيس الأمريكى على بلاده فى الأشهر الماضية، وبالتالى فهناك حاجة ملحة لتنويع الأسواق الدولية المستهدفة فى المرحلة المقبلة لتعويض الخسائر الكبيرة الناجمة عن الإجراءات الأمريكية فى الأشهر الماضية، وبالتالى كانت الدبلوماسية الصينية قائمة على تجاوز الخلافات مع مختلف الأطراف الدولية الأخرى، سواء فى أوروبا أو آسيا من أجل تحسين العلاقات لخدمة الجانب الاقتصادى.
شينزو آبى وشى جين بينج
ففى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة الصينية إلى الدخول فى مختلف الأسواق، خاصة فى أوروبا، فإنها تبقى فى حاجة ملحة للحفاظ على وجودها فى الأسواق اليابانية، خاصة وأن اليابان تمثل ثانى أكبر سوق للصادرات الصينية بعد الولايات المتحدة، وبالتالى فإن السلطات الصينية تحاول الضغط لاستغلال زيارة رئيس وزراء اليابان للإعلان عن خطط للاستثمار في الصين ولتحسين العلاقة لتعويض التدهور الحاد مع الولايات المتحدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة