بهدوء شديد ولامبالاة غير مبررة فى مثل ذلك الموقف، نزل محمود على دراج السُلم، غير عابئ بما اقترفت يداه، خرج إلى الشارع ووقف يلتفت يمينًا ويسارًا ثم عدل ملابسه، وسند ظهره على الحائط، وأخرج من جيبه سيجارة محلية الصنع، وأخذ ينفُث دخانها فى الهواء، ومع كل نفس يعد بذاكرته للخلف مستعيدًا أحداث عاشها مع شقيقه الأكبر الذى سفك دمه قبل دقائق؛ لخلاف على 100 جنيه.
فى إحدى الشوارع الجانبية المتفرعة من شارع ترسا بمركز "أبو النمرس" كان يعيش "صبرى" الحاوى مع زوجته وابنته التى لم يتخط عمرها الشهرين بعد، فى شقة بسيطة إيجارها 200 جنيه، ولا تزيد محتوياتها عن سرير ودولاب وكنبة صغيرة أمامها شاشة تلفاز، كان قد استأجرها قبل أسبوعين من مقتله، حياته كانت بسيطة للغاية فهو يعمل "سريح" على باب الله، يجوب الشوارع والطرقات، وينظم عروض "الحاوى" فى المناطق الشعبية ليتقاضى فى نهاية يومه مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ50 جنيها.
محرر اليوم السابع مع أحد شهود العيان
فى المناطق الشعبية كان ينظم "صبرى" الحاوى عروضا بهلوانية ، ينام على سرير خشبى مدجج بالمسامير، أو ينفث النار من فمه، ويقفز بين حلقات النار، ليلتقط نظرات الاعجاب والانبهار من ملامح الصبيان والفتيات الكبار منهم والصغار، فيحسنوا إليه بمبلغ لا يتجاوز الجنيهات القليلة، هكذا كانت حياته يعود ليلًا ليجد زوجته وابنته الصغيرة فى انتظار الطعام والشراب، فلم يكن لهم عائل سواه.
بينما كانت حياة "صبرى" صاحب الـ34 عامًا تسير على وتيرة وأحدة، تجددت الخلافات بينه وبين شقيقه الأصغر "محمود" والذى سبق وأن اقرضه مبلغ 100 جنيه، لإكمال المال اللازم لاستئجار شقته السكنية التى يقيم فيها، وذلك حينما طالبه برد المبلغ إليه، تطورت الخلافات سريعًا وتشاجرا معاً اعتدى كلًا منهما على الآخر، فلم يتمالك الشقيق الأصغر نفسه، فسحب سكينًا ووجه 5 طعنات نافذة لشقيقه أودت بحياته فى الحال.
انتقل "اليوم السابع" إلى المنطقة التى شهدت الجريمة، وتقابلنا مع عدد من الجيران الذين رووا لنا تفاصيل الساعات الأخيرة فى حياة حاوى أبو النمرس والذى قتل على يد شقيقه بسبب خلاف على 100 جنيه.
فى البدية يقول "حسنى محمد" 63 عامًا موظف على المعاش:"سمعنا صوت خبط فى الشقة إلى فوقينا، طلعت أشوف فى إيه، لقيت "صبرى" بيفتح لى الباب، وبيقولى لى فى مشاكل بينى وبين أخويا، فقلت له أهدوا شوية مش كده علشان فى سكان غيركم فى البيت، وبعدها بـ5 دقائق، لقيت والدته نزلة بتصرخ على السلم، وبتطلب مننا "بصلة" علشان ابنها أغمى عليه، طلعت ونزل تانى تجرى على السلم وهى بتقول:"محمود قتل أخوه..محمود قتل أخوه".
أجرينا اتصالًا بالإسعاف، ولما طلعوا يشوفوا حالة المجنى عليه، قالولنا ده مات خلاص، ورفضوا حمل جثته، يقول "محمد كوارع" أحد سكان المنطقة وشاهد عيان على الحادث، صعدت مع رجال الأمن إلى الشقة، ووجدنا المجنى عليه مرمى على الأرض بين باب المطبخ وأوضة النوم وغرقان فى دمه، ومصاب بعدة طعنات فى جسمه فى رجله وبطنه وقلبه، فغمينا عينيه ولفينا الجثة فى بطاطين ونزلنها حملناها على عربية "ميكروباص" واتنقلت للمشرحة.
تقول "أم منير" إحدى سكان المنطقة، المجنى عليه بقاله أسبوع فى المنطقة، وكانت الخلافات إلى بينه وبين أخوه على مبلغ مالى حوالى 100 جنيه، ووالدتهم لما عرفت أنهم بيتخانقوا جت تجرى على البيت، ومعاها 50 جنيه علشان تحل المشكلة إليى بينهم وتديهم للابن الصغير علشان ما يتخانقش مع أخوه، لكن بعد فوات الأوان، لما طلعت الشقة لقت ابنها الكبير واقع على الأرض وغرقان فى دمه، هى فكرته أغمى عليه، لكنه كان مات.
علامات الحزن على وجه الجيران
"الرابع مات والخامس أتحبس"، هكذا ظلت تصرخ والدة الضحية والمتهم فى الشارع أثناء نقل جثة ابنها، وبجوارها زوجته وشقيقته يصرخان على صراخها، يعود "محمد كوارع" للحديث قائلًأ:حضر رجال الأمن للشارع وسمعوا لأقوال الناس فى المنطقة، وكان ابن عم القتيل فى الشارع ودلهم على مكان اختباء المتهم، وتوجه هو واثنين امناء شرطة وقبضوا عليه.
الشارع الذى شهد الجريمة
المنزل الذى شهد الواقعة
فى المنزل رقم 4 وقعت الجريمة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة