ترسل الشمس سلامها الأخير على المنطقة، فيسدل الليل أستاره، وتسكن نفوس وتصخب أخرى، كل حسب عادته، لكن هنا فى ليل القاهرة مذاق آخر، ووجه مختلف للحياة، وكأن حياة أخرى تولد بمجرد حلول الليل.
تتعالى أضواء اللافتات الإعلانية الضخمة، وتتنافس المصابيح الملونة على الكبارى لتجلب "عشاق الليل" إليها، وتتهادى نسمات الهواء العليل مزينة بصوت النيل والمارة، هنا فى "جمهورية وسط البلد"، يجد عشاق الليل سلواهم، فهنا أسرة افترشت حديقة بتكاليف بسيطة، وهنا حبيب وقف يفكر فى ما سيأتى على أنغام أم كلثوم أعلى كوبرى قصر النيل.
كثيرا ما تغنى المشاهير لليل، وبصماته فى النفوس والعقول، لكنك لن تعرف المعنى الحقيقى لكل ذلك إلا إذا صحبتك قدماك لجولة ليلية بمنطقة وسط البلد، بشرط ألا تسرع الخطوات، ولا تغلق أذناك عن الأصوات المحيطة.
فهنا على كوبرى قصر النيل، ذلك المكان الأثرى المطل على مشهد فريد من نوعه لنهر النيل بالمراكب التى تشق قلبه فى كل رحلة سعيدة لها، عالم متكامل، كبار وصغار اتخذوا منه وسيلة للترفيهة وتذوق جمال قلب القاهرة، وحدث ولا حرج عن كوكتيل السعادة الذى يجتاحك إذا دخلت لقلب منطقة وسط البلد بالمبانى الأثرية على الطراز الفرنسى، تجدها مختلفة تماما كلما تأخر الليل وقلت الأقدام فى الشوارع.
أب يصطحب طفله على دراجته البخارية يسرعان للعودة للمنزل، وشباب فى عمر الدراسة اتخذوا من ركوب الدرجات، والباتيناج وسيلة لهم للاستمتاع بالتجول فى شوارع القاهرة مع الساعات المتأخرة من الليل، وعدد من الحناطير تراصت على الكورنيش فى انتظار الزبون الذى يرغب فى الاستمتاع بجمال القاهرة فى جولة مختلفة، وكأن القاهرة ليلا "معشوقة" كل شخص منهم يحبها بطريقته الخاصة.
"يكمن الجمال فى الصمت كثيرا"، عبارة يمكنك تذزق معناها كاملا بخطواتك فى قلب القاهرة ليلا، فهنا ترى تاريخك فتعرف أصلك، وهنا تحتضنك هدوء الشوارع بأضوائها الخافتة، وهنا تعرف المعنى الحقيقى للسعادة البسيطة المختلفة التى يجيدها المصريين بخروجاتهم فى القاهرة.
)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة