حبوب تتداول بكل سهولة ويسر بين المواطنين فى مختلف محافظات مصر على أنها حبوب لمنع تسوس القمح، مما يجعل المواطنين يتعاملون معها بشكل آمن دون أى احتياطات، ولا يعلم الكثير منهم أن فيها موتهم، وأن الحبوب التى يضعونها بين الغلال التى نصنع منها خبزنا فيها سم قاتل سيودى بحياتهم لأسباب تافهة ربما من بينها عدم غسل أيديهم بشكل جيد عقب ملامستها، وأصبح الأمر مثيرا للذعر خاصة بوصول حالات الوفيات بسبب هذه الحبوب إلى أكثر من 200 مواطن بمحافظة الفيوم خلال الـ3 سنوات الأخيرة، وفى هذا التقرير يرصد "اليوم السابع" انتشار حبوب منع تسوس القمح فى محافظات مصر.
السيدات الضحايا الأكثر لحبوب منع تسوس القمح بالفيوم
فى محافظة الفيوم كانت السيدات لهن نصيب الأسد من الموت بأقراص منع تسوس القمح، وذلك وفقا لبلاغات الجهات الأمنية ومراكز الشرطة ومستشفيات الفيوم خلال الفترة الأخيرة، حيث تنوعت الحالات ما بين انتحار باستخدام هذه الحبوب لتواجدها بالمنازل أو تسمم عن طريق الخطأ.
تقول نسرين سعد إسماعيل رئيس الوحدة المحلية لقرية فانوس بمحافظة الفيوم إنها لاحظت خلال العام التى تولت فيه رئاسة الوحدة المحلية بالقرية إقدام المزارعين على استخدام حبوب منع تسوس القمح وهى حبوب سامة، وأصبحت وسيلة سهلة للانتحار بالمنازل أو الموت عن طريق الخطأ، حيث يستخدمونها دون غسل أيديهم فيتعرضون للتسمم.
وناشدت رئيسة الوحدة لمحلية لقرية فانوس المسؤلين بأن يتم التصدى لانتشار هذه الظاهرة، ويتم طرح بدائل آمنة بالأسواق لحفظ القمح والغلال ولا تضر بالإنسان وتوزع عبر الجمعيات الزراعية مشيرة إلى أن الحبوب السامة متداولة بكل المحلات.
ولفتت إلى أنها كوحدة محلية تحاول عمل ندوات توعية بمشاركة الرائدات الريفيات، لكن هذا كل ما بوسعهم وتتمنى أن تقوم مديريات الصحة والزراعة ومؤسسات المجتمع المدنى بحملات توعية مكبرة يحضرها متخصصون لتوعية الأهالى والحد من خطورة هذه الحبوب القاتلة.
وأكد ناصر عيد أحد أصحاب محلات المبيدات بمركز يوسف الصديق أن أقراص منع تسوس القمح تباع بجميع المحلات وأحيانا بمحلات البقالة بالقرى، ولدى تاجرى الغلال والمواطنون يقبلون عليها لأن أسعارها زهيدة فالعبوة بـ20 جنيها بها 10 أقراص ويتم تصنيعها بمصانع بير السلم ووضعها فى علبة أسطوانية من الصفيح، ولفت إلى أنه ليست هناك أى رقابة على تداولها وليست هناك أى توعية للمواطنين بخطورة استخدامها.
وأضاف عيد سيد من مركز إطسا أن المركز به أكبر نسبة للوفاة بأقراص منع تسوس القمح وأن العديد من السيدات فقدن أرواحهن بسبب هذه الحبوب السامة، وتساءل كيف تكون الوفاة بسبب هذه الحبوب لمجرد عدم قيامهن بغسل أيديهن عقب وضعها فى الأجولة وهذه الحبوب تتحلل في أجولة القمح ونخرجها وهى متحولة إلى "بودرة" قبل طحن القمح فهل هذه الحبوب لا تسبب تسمم فى الأقماح التى نتناول فى هيئة خبز؟.
وقالت نادية سيد إحدى المواطنات التى تستخدم حبوب منع تسوس القمح إن هذه الحبوب يقومون بشرائها بشكل سنوى عقب حصاد محصول القمح الذى يقومون بتخزينه بالمنازل لعمل الخبز منه، وحتى لا يتعرض القمح للتسوس يقومون بوضع قرص من الأقراص المانعة لتسوس القمح داخل كل جوال دقيق، ولفتت إلى أنها تخاف من هذه الحبوب لكن ليس لديها بديل آخر.
ولم تكن الحبوب السامة وسيلة الموت بالخطأ فقط لكنها كانت وسيلة جيدة للانتحار أيضا، حيث إنه وفقا لآخر إحصائية لعدد حالات الانتحار التى سجلتها مستشفيات محافظة الفيوم، فى الفترة من شهر يونيو 2017 إلى نظيره فى العام الجارى 2018، بلغت 55 حالة ناتجة عن تناول أقراص سوس القمح عن طريق القصد.
وأوصت تقارير بمديرية الصحة بالفيوم بتوعية المواطنين بالحذر من استخدام الحبوب، وحال تناولها بالخطأ ينصح بعدم شُرب الماء بعد تناولها مباشرة لأنها تساعد على انتشار السم فى جميع أنحاء الجسم، وكذلك عملية غسيل المعدة تساعد على نشر السم، لأنها تعمل على فوران القرص الذى يحتوى على مادة سامة وهى فوسفيد الألومنيوم القاتلة.
سيدات الشرقية: "لا نستغنى عن الحبة وقسم السموم يطلق عليها المهلكة"
مخاطر عديدة يسببها مبيد" الألومنيوم فوسفيد" أو حبة حفظ محصول القمح، كما يطلق عليها عدد من الفلاحين بمختلف قرى محافظة الشرقية، وأصبح يتم استخدمها بشكل خاطئ، حيث تسخدم للانتحار، كما تسبب فى إصابة العديد من المزارعين بهبوط فى الدروة الدموية، وشهدت محافظة الشرقية على مدار الأشهر الماضية وفاة فتاتين من قرية واحدة قرية كفر سلامة، بمركز منيا القمح، بسبب تلك الحبة، فيما أصيب عدد من العمال بسببها.
وتقول زينب غريب 59 سنة ربة منزل من الشرقية إنها اعتادت وضع "حبة الغلة" بأجوالة الغلة بعد درسها وتجمعها فى أجولة من البلاستيك، حفاظا عليها من التسويس، لكن يتم التعامل مع الحبة بحذر عن طريق غسل اليدين بشكل سريع وبمواد منظفة تمنع آثارها، لكن حاليا لم يتم استخدامها بسبب عدم تخزين الغلة، والاتجاه لشراء العيش من الطابونة.
وتقول بكرية مغاورى 62 سنة ربة منزل إنها كانت تقوم باستخدام هذا المبيد لحفظ محصول الغلة من التسوس، حيث تقوم بارتداء كيس بلاستيك وتضع الحبة فى قطعة قماش ثم تخزنها مع الغلة، وبعد الحاجة لاستخدام الغلة يتم فتح الشكارة ووضعها على صنية كبيرة فى الشمس لتهويتها جيدا والبحث عن الحبة والتخلص منها بعيدا عن الأطفال.
ويقول الدكتور عصام فرحات مديرية الطوارئ والرعاية بمديرة الصحة بالشرقية، إن الحالات المصابة بهذا المبيد نتيجة وضعه كحبة قاتلة للسوس فى القمح، حالات نادرة، نظرا لوعى الفلاحين بمخاطر المبيد.
فيما أضاف الدكتور أحمد عمر أستاذ ومدير وحدة علاج التسمم، بمستشفيات جامعة الزقازيق، فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع" إن حبة الغلة اسمها العلمى "الألومنيوم فوسفيد، أو فوسفيد الزنج"، وهى عبارة عن قرص أسود اللون، وتستخد لمنع تسوس محصول القمح "الغلة" وحمايته من الحشرات الضارة، ويخرج منها غاز قاتل، بمجرد وصول المياه إليه، أو دخوله معدة الإنسان لدخول حمض الهيدروليك عليه، يتسبب فى انبعاث غاز اسمه "فوسفين" غاز قاتل يتسبب فى فشل بكل أعضاء الجسم ويؤدى إلى ارتشاح بالرئتين، لذلك كان يطلق عليه اسم "المهلك" لخطورته، كما أن يستخدم كمبيد حشرى ومبيد للقوارض مثل الفئران، حيث لو تم وضع قرص منه فى بيارة الصرف الصحى كافٍ بالقضاء على الفئران واختفائها من البيارة لمدة شهر، حيث يخرج منها مبيد فسفورى عضوى، يؤدى إلى مشاكل صحية وصعوبة فى التنفس للإنسان، ولو أصيب به سواء عن طريق الجلد، أو الاستنشاق عن طريق الخطا أو الانتحار.
موضحا أن القسم سجل عددا من الحالات المصابة بتسمم نتيجة هذا المبيد، والحالات التى تصاب بتسمم من هذا المبيد تحتاج إلى عناية مركزة، وأكثر الحالات عرضة للإصابة به هم الأطفال أقل من 5 سنوات أو الحالات الانتحارية.
فيما يقول "محمود بندارى" دكتور بمركز البحوث بالبساتين، ومهندس زراعى، من محافظة الشرقية، إن المزارع اعتاد وضع "حبة القمح" لحمايتها من التسوتس فى قماشة، ثم يضعها فى الجوال، وعند عملية طحن القمح يقوم بإلتقاطها والتخلص منها، لكى لا تختلط بعملية الطحين الذى يستخدم لخبير العيش، موضحا أن حاليا قلة قليلة من المزارعين، بمحافظة الشرقية الذين يقومون بتخزين القمح من أجل استخدمه فى العجين، بسبب ارتفاع سعر القمح، فيقوم المزارع ببيع المحصول لكى ينفق منه على أسرته، ويكتفى بكمية بسيطة من محصول القمح من أجل استخدامها فى أكل الطيور وخاصة الحمام.
موضحا أن وزارة الزراعة كانت تعقد ندوات توعية للمرشدين الزاراعين، لكى يقوم بتوعية الفلاحين من خطورة تلك المبيد الضار وخطورته لأنه يحتوى على عناصر ثقيلة مثل الرصاص تترسب فى الكبد ومع مرور العمر تسبب أمراض خطيرة مثل السرطان لأن مفعولها قاتل، وأن الحذر منها يختلف من فلاح إلى آخر حسب سلوكيات كل شخص بطرق النظافة والتطهير.
ومن جانبه قال المهندس مجدى سلامة مدير مديرية الزراعة بالشرقية، لـ"اليوم السابع"، إن مديرية الزراعة شنت حملات كثيرة لتوعية المزارعين بخطورة ذلك المبيد الحشرى الضار، ويقوم قسم الرقابة على المبيدات بتحرير محاضر ومخالفات لأصحاب المحال التى يتم ضبط حبة واحدة فيها، نظرا لخطورتها على الصحة، حيث إنه ممنوع استخدامها أو الإعلان عنها، خاصة أن البعض يستخدمها كمادة للانتحار فى الفترات الأخيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة