لا مكان لدواعش، ولم يعد فى المشهد طائرات تخترق مبانى منهاتن العالية، فالأمريكيون نجحوا بفضل إجراءات الأمن ونشاط دوائر الاستخبارات فى تأمين حدودهم جيدا من وباء الذئاب المنفردة، ووباء داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات، لكنهم فشلوا فى التصدى للإرهاب القادم من الداخل وصعود أسهم القومين البيض وغيرهم من المتطرفين الرافضين لاستيعاب الأقليات، وغير المؤمنين بالتعددية ووجود أعراق أخرى وديانات أخرى داخل بلاد العم سام.
وعلى مدار أسبوع واحد، عاشت أمريكا ليل من الرعب والفزع، حيث تتابعت حوادث العنف وجرائم الكراهية، فبدءً من يوم الاثنين الماضى، بدأ إرسال الطرود المفخخة لعدد من الديمقراطيين البارزين على رأسهم الرئيس السابق باراك أوباما والمرشحة الرئاسية السابقة هيلارى كلينتون، إلى جانب بعض ووسائل الإعلام من منتقدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
الطرود المفخخة أربكت حسابات واشنطن الأمنية
واستمر الوضع حتى ألقت السلطات القبض على المشتبه به وراء هذه الطرود ويدعى سيزار سايوك المنتمى إلى القوميين المتطرفين، والذى تكشف تعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعى عن كراهية شديدة لغير البيض، وإيمان بالنهج المتشدد الذى يروج له ترامب منذ وصوله إلى الحكم، وكان يقول إنه يريد تنقية المجتمع الأمريكى من غير البيض.
ويوم الأربعاء، قام رجل أبيض لديه تاريخ من العنف بإطلاق النار على اثنين من الأمريكيين من أصل أفريقى بشكل عشوائى على ما يبدو وقتلهم فى ولاية كنتاكى بعد محاولة فاشلة للاعتداء على كنيسة للسود.
ومساء السبت، أقدم رجل يرد شعارات معادية لليهود بإطلاق النار على معبد شجرة الحياة اليهودة بمدينة بيتسبرج بولاية بنسيلقانيا، مما أسفر عن مقتل 11 من اليهود الحاضرين للصلاة. وهو الحادث الأسوأ الذى وصفه حاكم ولاية بنسلفانيا بأنه مأساة بمعنى الكلمة، فيما قال مسئولون إنهم لم يشهدوا أمرا مماثلا من قبل. وكشفت السلطات أن الجانى ويدعى روبرت باورز مان يستخدم شبكة "جاب" الاجتماعية المرتبطة بالعنصريين والمتطرفين البيض وتحدث خلالها عن أن اليهود وراء تدمير كوكب الأرض ووصفهم بأنهم أبناء الشيطان.
منفذ مجزرة المعبد اليهودى
وعلقت شبكة "سى إن إن" على هذه الحوادث جميعا، وقالت إن ثلاثتها تتشارك فى أمر واحد وهو الكراهية.
وكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قد صرح قائلا إنه لشىء مروع ما يحدق مع وجود الكراهية فى أمريكا وبصراحة فى كل أنحاء العالم.
من جانبها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن حوادث إطلاق النار الجماعية أصبحت جزءا متكررا من الحياة الأمريكية، وتكرر استهداف المؤسسات الدينية بشكل خاص. وفى كل حالة، تتفاقم الصدمة بسبب ارتكاب العنف فى المكان الذى يفترض أن يكون ساحة آمنة للسلام والشفاء.
محيط مجزرة المعبد اليهودى
وأشارت الصحيفة إلى ثلاثة من أعنف عمليات إطلاق النار التى استهدفت أماكن مدينة فى السنوات الأخيرة، منها مقتل 26 شخص فى إحدى كنائس ولاية تكساس عام 2017 عندما أطلق النار شاب يدعى ديفين باتريك كيلى على الحاضرين للصلاة قبل أن يقتل نفسه، وأرجعت السلطات وقتها السبب لخلاف بين الجانى ووالدة زوجته.
وفى عام 2015، أطلق ديلان روف المنتمى للقوميين البيض المتطرفين النار على كنيسة للسود فى كارولينا الجنوبية، وقتل العشرات، قبل أن يصدر حكمه ضده بالإعدام العام الماضى بعد إدانته بجرائم كراهية أدت إلى موت.
وقتل أيضا ستة أشخاص فى معبد للسيخ فى ولاية ويسكونسن عام 2012، وكان الجانى أيضا من القوميين المتطرفين البيض الذين يرفضون وجود الأقليات الدينية والعرقية.
ومنذ تفجيرات 11 سبتمبر الشهيرة وبعد حرب العراق وصعود تنظيم داعش، كانت أمريكا تتعامل مع حوادث إرهابية يحركها أو يرتكبها أجانب تحت شعارات دينية، أغلبهم يتخذ من الإسلام ستارا يختبىء ورائه للانتقام من سياسة واشنطن المجحفة فى العديد من مناطق العالم.
لكن الأيام القليلة كشفت ملمحا جديدا تمثل فى صعود جرائم العنف السياسى والكراهية التى يرتكبها أمريكيون ليسوا من المهاجرين الجدد أو حتى أبناء الجيل الثانى أو الثالث، بل أغلبهم من القوميين البيض المتطرفين الرافضين لغيرهم سواء السود أو المسلمين أو اليهود أو اللاتينيين وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية الكثيرة الموجودة فى أمريكا.