اهتمت الكتب المقدسة على اختلافها بالإشارة إلى أن المؤمن سيحصل على ما يستحقه من ثواب وأن المذنب سينال أيضا ما يستحقه من العقاب، وبالتالى يعبد الناس ربهم ويتحملون أقدارهم أملا فى الجنة وخوفا من النار، لكن السؤال الذى فكر فيه العامة والخاصة عبر التاريخ الطويل للأديان أين ستكون الجنة وأين ستقع النار؟
الجنة فى بداية الكون.. أين جنة آدم؟
كانت البداية مع آدم أبو البشر، فالله خلقه وتركه فى الجنة، لكنه عصى وهبط منها إلى الأرض، فهل هذا يعنى أنها كانت فى السماء؟ لا يتفق الجميع فى ذلك فالبعض يذهب إلى أن جنة آدم المسماة "عدن" كانت على الأرض.
طرح البعض من قبل سؤالا: كيف يجوز أن يكون الله أسكن آدم جنة الخلد ليكون فيها من الخالدين وهو قائل للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة، وكيف أخبر الملائكة أنه يريد أن يجعل فى الأرض خليفة ثم يسكنه دار الخلود ودار الخلود لا يدخلها إلا من يخلد فيها؟ وبالتالى لا بد أن هذه الجنة كانت على الأرض، وهذا الكلام ذكره الثعلبى قبل ذلك فى تفسيره ونسبه إلى المعتزلة ومنهم الجبائى وأبى القاسم البلخى وأبى مسلم الأصبهاني.
بينما يذهب ابن تيمية فى مجموع الفتاوى 4/346، إلى أن "الجنة التى أسكنها آدم وزوجه عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة: هى جنة الخلد، ومن قال: إنها جنةٌ فى الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والملحدين أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة. والكتاب والسنة يردان هذا القول وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول، هذا مع أن الشيخ الشعراوى يذهب فى تفسير قصة آدم إلى أن جنة آدم لم تكن هى جنة الخلد.
الجنة والنار فى نهاية الكون "الكتاب المقدس"
فى سفر التكوين (تكوين ٢:٧-١٥) يصف الكتاب المقدس الجنة بأنها مكان حقيقى عاش فيه الزوجان البشريان الأولان حياة خالية من المرض والموت. ولكن لم يُسمح لهما بالبقاء فيها لأنهما عصيا الله، ويرى مزمور ١١٥:١٦ أن "السموات سموات ليهوه، أما الأرض فأعطاها لبنى البشر".
ومن هنا يرى الكتاب المقدس أن الجنة ستكون مرة أخرى على الأرض، فيقول سفر (أشعيا ٦٥:٢١-٢٣) "ويبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون أثمارها. لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل لأنه كأيام شجرة أيام شعبى ويستعمل مختارى عمل أيديهم. لا يتعبون باطلا ولا يلدون للرعب لأنهم نسل مباركى الرب وذريتهم معهم.
بينما جاء فى إنجيل متى 25 عدد 34 و41 و46 "يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، ثم يقول أيضا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته، فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى والأبرار إلى حياة أبدية".
الجنة والنار فى الإسلام
من أكثر الموضوعات التى أثيرت فى التراث الإسلامى ورغم أن القرآن الكريم يذكر فى سورة آل عمران "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين" لكن التفسيرات تناولت هذه القضية من أكثر من زاوية.
قال ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية:
روينا فى مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام، إنك دعوتنى إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فأين النار؟ فقال النبى سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟ .
وقال الأعمش وسفيان الثورى وشعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، إن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السماوات والأرض، فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل؟ وإذا جاء الليل أين النهار؟ فقالوا: لقد نزعت مثلها من التوراة.
الجنة والنار مخلوقتان من قبل
فى سنن أبى داود فى باب خلق الجنة والنار عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره ثم قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد .قال: فلما خلق الله النار قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها.
أين توجد الجنة فى الإسلام
روى البخارى (7423) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ).
وروى البيهقى فى "البعث والنشور" (455) بسند ضعيف عن ابن مسعود قال: " الْجَنَّةُ فِى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَالنَّارُ فِى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى". وعن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: أين الجنة؟ قال: فوق سبع سموات، قلت: فأين النار؟ قال: تحت سبعة أبحر مطبقة.
وفى "فتاوى نور على الدرب" (4/ 2) لابن عثيمين أنه سئل: أين توجد الجنة والنار؟ فأجاب: الجنة فى أعلى عليين، والنار فى سجين، وسجين فى الأرض السفلى، كما جاء فى الحديث: (الميت إذا احتضر يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدى فى سجين فى الأرض السفلى)، وأما الجنة فإنها فوق فى أعلى عليين، وقد ثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام (أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس)".
وفى صحيح البخارى عن أبى هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين الدرجتين، كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة .
وفى قصة الإسراء فى صحيح مسلم [162] من رواية أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم: وقال فى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمارها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلى ما أوحى ففرض على خمسين صلاة كل يوم وليلة.. الحديث.
هل النار تحت البحر؟
فى سنن أبى داود عن ابن عمرو "لا يركب البحر إلا حاجاً، أو معتمراً، أو غازياً فى سبيل الله فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحرا"، وروى عن ابن عمر أيضا "إن جهنم محيطة بالدنيا، وإن الجنة من ورائها فلذلك كان الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة