"هذه المقبرة منحة من شعب مصر لضحايا الحروب الأجانب".. طبعت هذه الكلمات على مداخل إحدى مقابر الشاطبى، التى لم يكن يعلم الكثير عنها شيئًا، فبمظهرها الوقور ورائحة الورود التى تفوح منها، والألوان الخضراء الزاهية التى تعبر عنها، أزالت عن تفكير البعض حكاية هذه المقابر، فاكتفى من يمر عليها بقراءة الفاتحة، ودعاء دخول المقابر، دون يأتى فى باله أنها مقابر الجنود الفرنسيين فى الحرب العالمية الأولى.
منصات جدارية بالرخام الأبيض، وضع على كل منها اسم الجندى، وأخرى تركت دون اسم، لتؤكد عدم الوصول لهوية الجندى الذى وضع رفاته فى هذه المقبرة، وضعت جميعها فى شكل منتظم وقور، يجبرك على هيبة المكان فور دخوله، ويؤكد لك مكانة من سكنوا هذه الأرض، ويعطيك رسالة أن السلام هش ولا يجب نسيان ما يحدث مهما كان.
وعلى هامش احتفال مركز الدراسات الفرنسية بالإسكندرية، بأيام التراث السكندري، أصدرت كتابًا يوضح فى جزء منه، الجنود الأبطال الذين قتلوا فى الحرب العالمية الأولى، ودفنوا فى الإسكندرية، حيث كانت مصر قاعدة أساسية تصل بين الشرق والغرب، وتم تحويل ضحايا القتال إليها، ودفن العديد ممن قتلوا بها فى أماكن دفن الموتى، حتى تطلب الأمر إقامة مقابر خاصة بهم، وتم تخصيص مقابر الشاطبى لضحايا الأجانب، وخصص جانبًا منها لعدد 80 جنديًا فرنسيًا، شاركوا فى الحرب العالمية الأولى، لتحتفل بهم فرنسا كل عام، وتأتى قنصل فرنسا فى عامها الأول بمدينة عروس البحر الأبيض المتوسط، مرتدية الأسود، وتزور مقابرهم للمرة الأولى إحياء للذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى.
وكانت مصر قد أرسلت مصر مائة ألف جندي مصري لأوروبا ليحاربوا إلى جوار الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى واستشهد عشرات الآلاف منهم على الأرض الأوروبية وخاصة في فرنسا ودفن الكثير منهم في العديد من مقابر الحرب العالمية في شمال وجنوب فرنسا وفي شمال بلجيكا وفي إيطاليا في العديد من مقابر الحرب بها وكذلك في اليونان ومالطة.
وقاتل الجيش المصري الدولة العثمانية والألمان والقوات المتعاون معها في ثلاث قارات (أفريقيا – آسيا – أوروبا) واستطاعت بالتعاون مع الحلفاء الانتصار في الحرب، وكان أهم سلاح يستخدم هو سلاح الهجانة وفيالق العمال وهو يسمى سلاح المهندسين الآن، المسئول عن تمهيد الطرق والسكك الحديدية وحفر الخنادق على الجبهة بسرعة ودقة فائقة.
كما يوجد في دار الكتب والوثائق المصرية والأرشيف الملكي البريطاني العديد من الوثائق التي تثبت حقوق مصر في ما قدمته من تضحيات وبطولات وإمدادات شهد لها العالم وذكر ذلك في جميع الوثائق حتى في الكتاب الذهبي البلجيكي الذى أصدرته ملكة بلجيكا وأيدته أقوال قادة الحرب والزعماء السياسيين في ذلك التوقيت، وتكفلت مصر بتكاليف الحرب لجيشها حتى وهو يحارب في أوروبا، وحين دخلت مصر الحرب العالمية الأولى بدأ التجنيد الإجباري لأول مرة في مصر وكانت مصر محاصرة من حدودها الأربعة بالجيوش العثمانية والألمانية وجيش السنوسي وجيش سلطنة دارفور في الجنوب وكان واجب الدفاع عن مصر ضد هذا التهديد هو عمل قومي وواجب وطني.
وها هو التاريخ يؤكد على أرض الواقع كيف ساهمت مصر فى تخليد ذكرى جنود الحرب، بعد أن خصصت قطعة الأرض التى بنيت عليها رفات الجنود الفرنسيين، ويأتى لزيارتها طلاب المدارس والجامعات وأفراد الجالية الفرنسية ليؤكدوا على ضرورة السلام فى العالم أجمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة