على الرغم من المحاولات الفرنسية لاستغلال الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى لاستعادة دورها كقوى دولية مؤثرة من جديد على الساحة العالمية، عبر حشد ملوك وقادة العالم تحت قوس النصر فى قلب العاصمة باريس ، إلا أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ، ربما نجح فى سرقة الأضواء من نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون ، على الأراضى الفرنسية ، الأحد الماضى ، وهو ما يثير العديد من الشكوك حول قدرة فرنسا على القيام بدور فى الحفاظ على الاتحاد الأوروبى، الذى يمثل بوابة فرنسا نحو الدور المنشود، فى ظل التخلى الأمريكى عن القارة العجوز من جانب، وبزوغ نجم التيارات القومية فى كافة أنحائها من جانب آخر.
ولم يقتصر نجاح بوتين فى خطف الأضواء بين قادة العالم، على مجرد وقوف مئات الشخصيات الدولية المرموقة فى انتظاره أمام قوس النصر ، لبدء الاحتفالية، بعد وصوله المتأخر، وعلى رأسهم خصومه التاريخيين، ومنهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسى، إلى جانب قيادات الاتحاد الأوروبى ، وإنما امتد إلى سعى العديد من الزعماء الغربيين إلى مغازلتة عبر تصريحات تحمل فى طياتها الرغبة فى التودد إلى موسكو، وهو ما يمثل نجاحا لروسيا فى تقديم نفسها ضمن النظام العالمى الجديد.
حضور متأخر.. بوتين يتحدى خطط باريس
ولعل الحضور المتأخر للرئيس الروسى، والذى ساهم بصورة كبيرة فى لفت الأنظار إليه، ليس بالأمر الجديد تماما،على الأساليب التى سبق وأن تبناها، والتى تمثل خروجا على البروتوكول فى التعامل مع خصومه، إلا أنه أثار التساؤلات خاصة أثناء مصافحته لنظيره الأمريكى دونالد ترامب، حيث تعمد بوتين الإشارة له بعلامة الرضا، فى إشارة ربما تحمل انعكاسا صريحا لوجود الجانبين الأمريكى والروسى ،فى كفة واحدة فى المرحلة الراهنة تجاه العديد من القضايا والمواقف، وأبرزها موقفهما المناوئ للاتحاد الأوروبى، وهو ما يحمل استفزازا صريحا لأنصار الوحدة الأوروبية.
بوتين يشير بعلامة الرضا لنظيره الأمريكى دونالد ترامب
يبدو أن الإدراك الفرنسى لأبعاد ما يمكننا تسميته بالمؤامرة الأمريكية الروسية ، على مستقبل الاتحاد الأوروبى كان السبب الرئيسى والمباشر وراء قرار قصر الإليزيه بإلغاء القمة التى كانت من المقرر أن تجمع بين الرئيسين الأمريكى والروسى فى باريس ، على هامش احتفالية الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، بل أن الحكومة الفرنسية ذهبت إلى أبعد من ذلك، من خلال تغيير مكان جلوس الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي، دونالد ترامب، أثناء مأدبة الإفطار في قصر الإليزيه، بحيث لا يمكنهما الحديث سويا، على الرغم من الإعلان عن اقتصار اللقاء بين الرئيسين على حديث قصير على هامش مأدبة الإفطار.
ولكن بالرغم من المحاولات الفرنسية لمنع اللقاء الذى تراه باريس محاولة لتقويض الاتحاد الأوروبى، والذى يمثل نقطة انطلاقها نحو استعادة نفوذها فى العديد من مناطق العالم، خرج الرئيسان بتصريحات تؤكد قيامهما بحوار ناجح على هامش الاحتفالية، وهو ما يمثل تحديا صريحا للدولة التى استضافت الحدث العالمى.
التودد الدولى لموسكو.. روسيا تثير هلع أنصار الوحدة الأوروبية
لقاء بوتين مع نظيره الأمريكى ، لم يمثل التحدى الوحيد لفرنسا وغيرها من دعاة الوحدة الأوروبية، وإنما امتد الأمر إلى محاولات العديد من زعماء العالم، وعلى رأسهم دول ما يسمى بـ"المعسكر الغربى"، للتودد إلى موسكو، سواء من خلال التصريحات الإيجابية، التى حملت فى طياتها رسائل مفادها عودة موسكو القوية للساحة الدولية كقوى عظمى يمكنها القيام بدور بارز فى السلام العالمى، وهو ما يعد بمثابة شهادة نجاح جديدة للرئيس الروسى الذى وضع على عاتقة مسئولية عودة روسيا إلى قمة النظام الدولى منذ صعوده إلى الكرملين فى عام 2000.
قادة العالم أمام قوس النصر
وتمثل الانتقادات التى وجهها رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك، للساسة حول العالم، قبيل انطلاق احتفالية باريس، بسبب مغازلتهم لموسكو انعكاسا صريحا لنجاح الرئيس الروسى فى زعزعة ثقة خصومة الأوروبيين فى قوتهم من جانب، كما أن تقدم دليلا دامغا على حالة الهلع لدى أنصار الوحدة الأوروبية جراء التحركات الروسية من جانب أخر، خاصة وأنها تنال للمرة الأولى دعم الولايات المتحدة، التى طالما تبنت دور الداعم للاتحاد الأوروبى لعقود طويلة من الزمن.
ولكن انتقادات توسك قبيل الاحتفالية، لم تكن كافية للحد من ظاهرة التودد الدولى لموسكو، حيث حرص العديد من قادة العالم، من بينهم دول المعسكر الغربى، أو الموالين لهم، على إجراء محادثات جانبية مع بوتين خلال الاحتفالية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بينما اكتفى البعض الأخر بالإدلاء بتصريحات تعكس أهمية الدور الروسى فى العالم فى المرحلة الراهنة.
روسيا تتوغل.. هل فشلت باريس فى تحقيق هدفها؟
وهنا تحول الحدث العالمى الذى استضافته فرنسا لحشد قادة العالم على أراضيها عن الهدف الذى حاولت باريس تحقيقه من خلاله، حيث تمكنت روسيا من فرض نفسها على الاحتفالية، على حساب الدولة المضيفة، فى ظل تغير الموقف المناوئ لموسكو والذى طالما تبنته الدول الغربية تجاه روسيا، خاصة بعدما فرضت نفسها أولا على الساحة الدولية فى السنوات الماضية فى العديد من القضايا، وعلى رأسها الأزمة السورية، والتى ساهمت فى إيجاد دور روسى بارز فى واحدة من أكثر مناطق العالم التهابا.
بوتين وترودو
ربما كان التطور الكبير فى العلاقة بين واشنطن وموسكو منذ صعود ترامب إلى البيت الأبيض فى شهر يناير من العام الماضى من جانب،، بالإضافة إلى صعود القوميين فى دول عدة بأنحاء القارة العجوز من جانب أخر، ساهم بصورة كبيرة فى توغل النفوذ الروسى إلى قلب أوروبا، وهو الأمر الذى يمثل تهديدا صريحا لبقاء الاتحاد الأوروبى، أو على الأقل دحض المحاولات التى يتبناها الأوروبيين لتقديم أنفسهم كقوى بارزة على الساحة الدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة