تعد مدينة العاشر من رمضان من المدن الصناعية التى استقطبت الكثيرون من السوريين، سواء رجال الأعمال أو الحرفين، وبعد مرور الوقت اندمج السوريون مع المصريون لتزداد الأعمال المشتركة بينهم، ويصبحا نسيجا واحد بين ربوعها، وهناك نماذج متعددة تمكنت أن تحقق نجاحا مشتركا، بينهم من كان يبحث عن شريك فى مشروع، وآخر يعرف صديقا ويبحثا عن عمل مشترك.
واحدا بالخارج والأخر داخل المطبخ، كلاهما يعرف ماذا يفعل الآخر، حين تطأ قدماك مدينة العاشر من رمضان، وتذهب للمنطقة المعروفة باسم صيدناوى، ستجد فى المساء روائح المشويات تفوح من قلب المدينة، وربما تأخذك بعض اللافتات التى تحمل البصمة السورية على اسمها، لأن كافة العاملين بها سوريين، لكن حين تقترب وتتداخل مع هؤلاء العمال الذين يعملون كخلية نحل، ستعرف أنه من بين هذه الوجوه التى تحمل الملامح السورية، هناك أيضا وشوش مصرية مليون الميه.
وبالقرب من أحد البنايات الحكومية بوسط المدينة ستخبرك لافتة الهناء السورى عن قصة بطل هذا الموضوع، نموذجان جمعتهما الصداقة منذ 20 عاما، وعقب أحداث سوريا جمعتهم مدينة العاشر من رمضان مرة أخرى، ليعملا سويا ويصبحا ملوك السجوق البلدى فى محافظة الشرقية، أهما: شوقى طه جزار من محافظة القليوبية، وأبو بكر العسلى جزار سورى من ريف دمشق.
"اليوم السابع"، التقى شوقى طه، والذى يقترب عمره من الخمسين عاما، وله من الأولاد خمسة رجال وابنه، جاء من القليوبية للعمل فى المدينة الجديدة العاشر من رمضان منذ ثلاثون عاما.
يروى عن حياته أنه كان يعمل جزارا فى القليوبية وكان على علاقة صداقة ببكر السورى حين كان يزور مصر حيث كانت أمة تعيش فى مدينة العاشر من رمضان، وانقطعت اخباره وفوجئت به يقيم فى العاشر بعد الاحداث التى حدثت فى سوريا، وعمل جزارا وكنت فى نفس الوقت لدى المحل الخاص بى، لكتى بعد فترة أغلقته، وقررت أن أعمل معه، ومن يومها ونحن نعمل سويا، وتخصصنا فى السجق البلدى والكبدة البلدى المشوية على الفحم وكل انواع اللحوم الجملى والعجالى والبتلو.
وعن كيفية صناعة السجق البلدى وقف أبو شوقى يحكى، عن سر التوابل والخلطة السورى التى يضيفها على اللحم البلدى المفروم، واختيار الممبار وسمكه وتجهيزه لحشوه بالخلطة، قائلا: "أنا بعمل فى المهنة دى أبا عن جد ولا يوجد فرق فى الشغل مع السوريين أو المصرين كله واحد، وأهم حاجة الواحد يراعى ضميره فى عمله والله يبارك له".
أبو بكر السورى، من أبناء ريف دمشق، يعرف كل كبيرة وصغيرة عن الجزارة، يذبح بيده ويسلخ ويشفى ويبيع ويصنع المفروم "الكفته" وقف على طاولته يختار قطعة اللحم الذى يقطعها من أجل فرمها، وبعد الفرم، خلط اللحم بالبهارات الذى رفض الإفصاح عن أنواعه ومسمياته قائلا: "بهارات سورى دى سر الصنعة".
ويوضح "أبو بكر"، أن لكل نوع لحم البهارات التى تعطيه نكهة وتذوق مختلف ونحن نعرفها، وهذا ما يميز طعم المأكولات السرية، هناك بهارات يطغى طعمها على طعم اللحم وهذه غير جيده، لأن المذاق السورى قائم فى الأساس على الطعم الطبيعى للحم وليس البهار.
جلس "أبو بكر" يحكى كيف يذهب للمزارع وتجار الماشية والجمال ليختار الذبيحة ويشرف على ذبحها فى المجزر الآلى بالشرقية، ثم ينقلها للعاشر، وكيف توسع واشترى محلان أحدهما لبيع اللحوم والأخر لبيع السندوتشات السورية، مؤكدا على أهمية وجود أبو شوقى معه، لأمانته فى عمله، وإخلاصه له، وأن الصداقة كانت أساس علاقتهما وليس العمل سويا.
حين وقف أبو شوقى كما يناديه بكر السورى، وقف يدندن أحدى الأغنيات السورية "عيونه لوه وقلبى لوه" وضحكا سويا، كل واحد فيهما يعرف لغة الآخر والاثنان اجتمعا على الرزق الحلال والعمل لتلبية احتياجاته هو وأسرته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة