صور.. "اليوم السابع" يكشف أسرار عالم "الحانوتية".. تغسيل الميت حسب حالته بالماء أو التيمم.. وروايات عن أغرب قصص الدفن والغسل.. وليد: نحفظ أسرار الموتى ..جمال: دفنت أسرة كاملة.. وليد: الحروق أصعب الحالات

الموت هو العالم الآخر الغامض الذي يخشاه كل منا، بينما يمهد آخرون الطريق إلى "الترب" بكل أريحية لأنها وظيفتهم وأكل عيشهم، إنهم الحانوتية أو مغسلو الموتى كما يطلق عليهم، "اليوم السابع" أقترب من عالم"الحانوتية"، ليتعرف على أدق تفاصيل عملهم، ومخاوفهم من انقراض المهنة نظرا لأن كل من يعمل بها "متطوع"، وأغرب قصص الدفن والموت، وعالم أسرار الموتى.

وليد..15 عاما من غسل الموتى..والسبب صديقه المتوفى  

يتذكر"وليد نبيل عبد الحميد" 36 سنة، حاصل علي دبلوم صنايع ويعمل بالتبريد والتكييف، ومقيم بمركز بلبيس محافظة الشرقية، بدايته مع المهنة، قائلا: "البداية كانت من 15 سنة عندما توفى صديقى وتم وضع جثته بمشرحة مستشفي بلبيس العام، وظللت لمدة 5 ساعات بعد إنهاء إجراءات الدفن أبحث عن حانوتي يغسل الجثة ويكفنها  استعدادا لدفنها، ومنذ هذه اللحظة ووضعت الموضوع في رأسي.

وتساءل:"إزاي أحنا مسلمين ومش عارفين نغسل بعض؟ مضيفا:"بعدها ذهبت لإحدى الجمعيات الشرعية للتعرف على طريقة تغسيل الموتي، وتدربت علي يد شيوخ كبار، حتى تأكدوا من قدرتى علي القيام بعملية الغسل بمفردى، فتوجهت إلي عامل المشرحة بمستشفي بلبيس العام، وأعطيته رقمي، وطالبته بالاتصال إذا أحتاج مغسل".

وعن أول حالة قام "وليد" بتغسيلها قال إنها منذ 15سنة، فبعد دقائق من إعطائه رقمه لعامل المشرحة بمستشفي بلبيس العام، أتصل به وطالبه بالحضور لتغسيل جثة شاب، كان عمره 23 سنة  من قرية ميت حمل توفي حادث قطار، وكان ذلك في شهر رمضان.

واستكمل "وليد" حديثه: "قبل قرآن المغرب بنصف ساعة، كان الشاب في طريقه للإفطار في منزل أسرة زوجته، وعبر شريط السكة الحديد من مكان غير مخصص للمشاة فصدمه القطار وكان أكبر جزء فيه قد كف اليد، غسلته وكفنته ودي أصعب حالة مرت عليه لأنها كانت ليلا وأول حالة، ومن أصعب الحالات أيضا حالة لأب ونجله صدمتهما سيارة مسرعة بطريق عبد المنعم رياض وكانت حادثة مؤثرة حيث كانا من أسرة واحدة، و كان الأب في طريقه لمستشفي التأمين الصحي للكشف علي نجله، فعادا جثتين للأسرة".

وأوضح "وليد" أنه يعمل مغسل موتي لوجه الله، وأن أهل الخير بمركز بلبيس، متبرعين ب138 مقبرة للصدقة، جميعها مليئة بالموتي أقل مقبرة بها واحد وأكثرها بها 6 جثث، وأنه يوميا يغسل ما بين حالتين إلي 3 حالات من الموتي، أكثرها لأشخاص مجهولة غارقوا بمياه ترعة الإسماعيلية، ويتم وضع رقم محضر كل حالة للجثة المجهولة علي المقبرة.

وعن الوقت الذي يستغرقه "وليد" في تغسيل الموتي، قال :"كل واحد وعمله وحسب تساهيل ربنا، فى حالة بغسلها بتاخذ معايا تلت ساعة وحالة تأخذ 3 ساعات، لأن دى أمانة بيني وبين ربنا، مقدرش أخرج الحالة إلا ما أكون راضي عنها، رافضا الإفصاح عن أي حالات"، موضحا أن هذه أسرار موتي، موضحا أن أسهل الحالات في الغسل هي الحالات التي يتم تشريحها، والغريق والحريق أصعب الحالات في الغسل، وخاصة أن الجلد يطلع مع الهدوم".

عم جمال: دفنت أسرة كاملة..ولا أحكى سوى قصص أصحاب الأعمال الصالحة

عم"جمال محمد محمود سعيد" 56 سنة، من مركز بلبيس، قال:"لم يرزقني الله بالإنجاب، فتطوعت لتغسل الموتي لوجه الله، منذ 16 سنة، ومهنتي الأساسية مبيض محارة، وتم اعتمادي "تربى" مركز بلبيس من قبل مركز الشرطة.

يحكى"جمال"مواقفه مع العالم الغامض لمهنة لحانوتى، حيث يعمل أيضا حارسا بالمقابر، وعن ذلك يقول :"أول جثة دفنتها كانت ليلا، وحافظ القرآن ينزل المقابر في أي وقت، وأغسل الموتي وأدفنهم، لكننى مؤخرا تخصصت في دفن الموتي، وفي حالة عدم وجود حانوتى أتطوع بتغسيل الموتي لوجه الله".

وتابع":"عالم الموتي غامض، لا أحد يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي، وعن أكثر الحالات التي لن لن أنساها عندما تم الاتصال به لدفن أسرة كاملة مكونة من زوجين و3 أطفال بنتان وولد، لقوا مصرعم في حادث تصادم بطريق مصر إسماعيلية الصحراوي، حيث كانوا في طريقهم للمصيف فانقلبت بهم السيارة"، مضيفا:"وضعتهم الخمسة في مقبرة واحدة"

وقال:" لا أنسى أيضا مصرع فتاة كانت طالبة بالجامعة، وتوفت تحت عجلات القطار، فشطرها إلي 6 قطع، ودفنتها وكانت مؤثرة في لأنها كانت عروسة تستعد لعقد قرانها".

وأضاف:"أقوم  بتطهير عدد من المقابر القديمة بمركز بلبيس، ومنذ أربعة سنوات دخلت وقبرة رجل كان مدفونا من 22 سنة وكان جسده كامل وجميع أعضاء جسده زي ما هي،  وقبره يشع منه نور، وتبين أنه جد "عماد متعب" لاعب كرة القدم، وعندما سألنا عليه تبين أنه كان رجل صالح وبتاع ربنا ومحب للخير، وأيضا من 6 سنوات فتحت مقبرة  لدفن أحد الأشخاص فوجدت القبر رائحته مسك ومنور وكأنه ينادي المتوفي، العمل الحلو بينادي صاحبه، ومن 6 شهور  دخلت مقبرة مدفون فيها شخص وجدته زي الفحمة، وكل واحد وعمله في الآخرة".

وأوضح  أنه دفن وغسل مئات الجثث، وأنه لم يفصح مرة واحدة لأقرب الناس إليه عن أسرار عالم الموتي، حيث يروي القصص أصحاب العمل الصالح فقط علي المقربين منه لكي يعملوا لآخرتهم.

وأكد أنه دفن عددا من الجثث مجهولة الهوية التي لم يتعرف عليها أحد وقال:"بعد وضعها فترة كبيرة في المشرحة، يتم دفنها في مقابر الصدقة، ويقوم بتسجيل رقم محضر كل حالة في كتيب معه مع تدوينه علي المقبرة من الخارج، ربما يتعرف أحد عليهم من خلال المحاضر الرسمية، مضيفا أنه الوحيد الذي ينزل المقابر ويحرسها، ويدفن الموتي بمركز بلبيس".

"اليوم السابع" داخل غرفة تغسيل الموتى  بأحد مساجد كفر الشيخ

تختلف محافظة كفر الشيخ عن بقية محافظات الجمهورية، لعدم وجود دكاكين أو محال للحانوتية، فكل من يقوم بعملية التكفين والغسل متطوعين يعملون بمهن أخرى، وأغلبهم لا يتقاضى مبالغ مالية نظير ذلك، ومنهم من يتقاضى 100 جنيه أو 150 جنيه حسب تقدير أهل المتوفى له، ولا يشترط مبلغاً معيناً، ومعظم المكفنين إما يعملون بالأزهر أو بالأوقاف أو معلمين ومنهم من يعمل بمهنة محفظ قرآن أو عامل.

وقال الشيخ محمود محمد شيخ بمعهد ديني بفوه:" يوجد اختلاف كبير، بين الحانوتي" المتطوع"  الذى يتلقى إخطارا أو اتصالا من أهل المتوفى أو عائلته بوجود حالة وفاة، قبل أن يتأكدمن صحة محل الوفاة وصحة العنوان، والخطوة الثانية التأكد من حدوث الوفاة، وبعدها الاستعانة بطبيب الصحة للكشف على المتوفى، وبعد ذلك، تبدأ أعمال "التغسيل والتكفين والنقل"، وأضاف:" أما التربي فمهمته دفن الميت، والقانون رقم 5 لسنة 66، يقوم بتنظيم أعمال الحانوتية والتربية، "فالحانوتي حاجة والتربي حاجة".

وقال الشيخ صبحي الراعي، إمام مسجد سيدي زهرة:"لا يوجد بمحافظة كفر الشيخ النظام المعمول به في المحافظات الأخرى بوجود حانوتية لديهم دكاكين، يتسلمون الميت، ويقومون بالغسل وتكفينه بمقابل مالي"، مؤكداً أن البعض يتخذون مهنة"الحانوتية" كعملية تطوعية، يبتغون الثواب من الله سبحانه وتعالى، وهناك من المغسلين من يتقاضي مقابل التغسيل والتكفين ولكنه لا يشترط مبلغاً معيناً، فكل ما يعطيه أصحاب الميت من مبلغ مالى يرتضي بها.

وأضاف الراعي ل"اليوم السابع": تم تخصيص مكان بمسجد السيدة زهرة بميت علوان كمغسلة يتم استقبال الموتى فيها بدون مقابل، ومجهز بكل الإمكانيات"

"محمد غالى"..مدرس بالأزهر..وحانوتى متطوع

وأضاف الشيخ محمد غالي، إنه يعمل مدرس بالأزهر ، ويقوم بذلك العمل متطوعاً، وفي أي مكان يطلبوه يتوجه له سواء في مدينة بيلا أو قراها، وقال إن الغسل عبادة شرعية مستقله، ولا يصح الدفن بدون الغسل إلا في حالات معينة كالاستشهاد.

وأضاف، أنه غسل أعداد كبيرة من الموتى، وكل حالة من الحالات لها تعامل خاص في عملية الغسل حسب حالة الميت، فهناك ميت كان مريضاً، وهناك ميت مصاب بنزيف، وكل حالة لها طريقة تعامل خاص، فالمصاب بالنزيف يحتاج لوضع مشمع بين الكفن وبعضه، وبعض الحالات تحتاج لوضع قطن مثل الميت المصاب بإصابات متعددة نتيجة الحوادث.

وتابع:"يرتدي المغسل جاونتي في يده أو لف يده بقماشة، ويتم عصر البطن، واستنجاء الميت 3 مرات، ولو خرج منه شئ يتابعه حتى ينقطع، بشرط أن يكون هناك حائل بين المغسل وعورة الميت، وبعده يوضئه وضوء الصلاة، وبعدها الغسل كغسل الحي، وتشترط النية والتسمية، ويبدأ الغسل  بأعلى الشق الايمن ثم أسفله، ثم أعلى الشق الأيسر ثم أسفله 3 مرات، ويمكن أن تكون عدد مرات الغسل 3 مرات أو 5 أو 7 مرات ولا تزيد عنها، وإذا خرج شئ أثناء الغسل توضأ مرة ثانية تم يجفف الجسد بقطن أو بفوطه ثم يتم الباس الكفن، ويُكفن الميت ب 3 لفافات والمرأة 3 لفافات أو 5 لفات، والسنة  الرجل مثل المرأة سواء بسواء، والكفن 3 قطع بيضاء، بشرط أن يغطي كل الجسد ويكون زائد من عند القدمين والرأس بمقدار شبر ، وإذا احتاج القطن يوضع عند القُبل والدُبر وعند الأنف ثم تطيب مواضع السجود بالطيب "الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأصابع القدمين" ، للحالات العادية.

وأكد غالي، عندما نفتح القبر لدفن موتى جُدد، نجد العجب العجاب، فمن بين ما رآه ثعابين صغيره ،وكلما حاولنا إبعادها يخرج غيرها، فنضطر لدفن جثة الميت الأخرى ونغلق القبر ، وبعض القبور نجد بعد الفتح لدفن جثث جديدة أثار حروق على الكفن  كأنه بقايا حرق في القماش، وهناك جثث نجدها تحولت عن القبلة، وهناك مقابر نشم رائحة طيبة تخرج منها، وهناك مقابر نجد رائحة خبيثة تخرج منها، وقد نشم تلك الرائحة أثناء تغسيل الجثة فهناك جثث أثناء الغسل لا نتحمل رائحتها فنضطر لرش معطر، وهناك أسرار كثيرة، لا يمكن البوح بها لأهالي الميت ولكن يمكن أن نقولها في حالة شم رائحة طيبة ذكية من جسد الميت.